التاسع : ما هو الأصل المعوّل عليه عند الشكّ؟
إذا ثبت عند المجتهد دلالة النهي على الفساد أو عدم دلالته عليه فهو في غنى عن طرح هذا البحث ، لعدم الحاجة إليه بعد وجود الدليل الاجتهادي على أحد الطرفين. وإنّما تصل النوبة إليه إذا قصرت اليدُ عن الدليل الاجتهادي ولم يثبت أحد الأمرين ، فلا محيص من الرجوع إلى الأصل العملي عند الشكّ.
فنقول : تارة يتعلّق الشكّ بالمسألة الأُصولية ، وأُخرى بالمسألة الفرعية.
أمّا الأوّل : فلو كان مصب النزاع عقلياً ، أي في وجود الملازمة بين النهي والفساد عقلاً وعدمها ، فلا أصل هنا يعوّل عليه ، إذ ليست للملازمة ولا لعدمها حالة سابقة ، وعلى فرض وجودها لا شكّ في الحالة اللاحقة ، إذ لو ثبت الملازمة لكانت باقية قطعاً ، ولو ثبت عدمها فكذلك.
فخرجنا بالنتيجة التالية : انّه إذا كان النزاع عقليّاً فليس هاهنا قضية متيقّنة أوّلاً ، وعلى فرض وجودها فليس هاهنا قضية مشكوكة.
أضف إلى ذلك أنّ الملازمة وعدمها غير قابلة للاستصحاب ، لأنّه يشترط فيه كون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً لحكم شرعي ، والملازمة تفتقد هذا الشرط.
هذا إذا كان مصبُّ النزاع في المسألة الأُصولية عقليّاً ، وأمّا إذا كان لفظياً ، أي في دلالة لفظ النهي على الفساد أو عدمه ، فالأصل وإن كان موجوداً ، أعني : أصالة عدم وضع النهي للفساد ولكنّها بالنسبة إلى إثبات أنّ النهي الموجود غير موضوع له مثبت ، وقد ثبت في محلّه انّ استصحاب النفي التام لا يثبت النفي