وأُخرى بالعرض ، كما إذا ورد الدليل على وجوب صلاة الظهر وصلاة الجمعة في يومها ، فانّ الدليلين خاليان من التنافي في مقام الجعل ، إذ لا مانع من إيجاب صلاتين في وقت واحد يسع كلاً منهما لكن بعد ما علمنا أنّ الشارع لم يكتب يوم الجمعة على المكلّف إلا فريضة واحدة ، عرضهما التكاذب بالعرض.
نعم لا يشترط في التعارض التنافي في مقام الامتثال ، بل يمكن أن يكون المتعارضان ممكني الامتثال ، كما إذا دلّ أحد الدليلين على وجوب الشيء والآخر على استحبابه أو إباحته ؛ كما يمكن أن يكون ممتنعي الامتثال ، كما إذا دلّ أحدهما على الوجوب والآخر على الحرمة والجامع بين عامة الأقسام وجود التكاذب في مقام الجعل والإنشاء.
وأمّا التزاحم فهو عبارة عن وجود التنافي بين الحكمين في مقام الامتثال بمعنى عدم المنافاة في مقام الجعل والتشريع ، بل الحكمان في ذلك المقام متلائمان غير أنّ عجز المكلّف وقصور قدرته صار سبباً لحدوث التنافي بين الدليلين ، كما في قولك « انقذ أخاك » و « انقذ عمّك » فجعل الحكمين والأمر بإنقاذ كلا الشخصين ليس فيه أي تناف في مقام الإنشاء ، ولذلك لو ابتلى المكلّف بهما متعاقباً لا مجتمعاً تمكّن من الامتثال ، وإنّما التنافي في مقام الامتثال عندما ابتلي بهما جمعاً.
ومثله المقام فإذا قال المولى أزل النجاسة عن المسجد وقال : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيلِ ) (١) فليس هناك أيّ تناف بين الدليلين لا في مقام الجعل كما هو واضح لاختلاف الموضوعين ، بل ولا في مقام الامتثال ، كما إذا ابتلى بأحدهما بعد الآخر ، وإنّما التنافي فيما إذا ابتلى بهما معاً حيث يعجز عن القيام بالأمرين معاً.
__________________
١. الإسراء : ٧٨.