التقريب الثاني (١) لتصحيح الترتّب
نقل المحقّق الاصفهاني تقريباً عن بعض الأُصوليين ما هذا حاصله :
إنّ اقتضاء كلّ أمر لإطاعة نفسه ، في رتبة سابقة على إطاعته ، كيف لا وهي مرتبة تأثيره وأثره ، ومن البديهي أنّ كلّ علّة منعزلة في مرتبة أثرها عن التأثير وإنّما اقتضاؤها ، في مرتبة ذاتها المقدّمة على تأثيرها وأثرها ، ولازم ذلك كون عصيان المكلّف ـ وهو نقيض طاعته ـ أيضاً في مرتبة متأخّرة عن الأمر واقتضائه.
وعليه فإذا أُنيط أمر بعصيان مثل هذا الأمر ، فلا شبهة انّ هذه الإناطة تُخرج الأمرين عن المزاحمة في التأثير ، إذ في رتبة الأمر بالأهم ، لا وجود للأمر بالمهم ، وفي رتبة وجود الأمر بالمهم لا يكون اقتضاء للأمر الأهم. فلا مطاردة بين الأمرين ، بل كلّ يؤثر في رتبة نفسه على وجه لا يوجب تحيّر المكلّف في امتثال كلّ منها ولا يقتضي كلّ من الأمرين إلقاء المكلّف فيما لا يطاق ، بل كلّ يقتضي موضوعاً لا يقتضي غيره. (٢)
يلاحظ عليه أوّلاً : أنّ التأخر الرتبي يحتاج إلى وجود الملاك في نفس الشيء وإلا فبمجرّد كونه مقارناً لما هو متأخر رتبة عن شيء لا يوجب اتّصافه بالتأخّر الرتبي والمقام من هذا القبيل ، لأنّ تأخّر الطاعة عن الأمر لا يوجب تأخّر العصيان عن الأمر ، إذ ملاك التأخّر موجود في الطاعة دون العصيان ، لأنّ الطاعة
__________________
١. مرّ التقريب الأوّل في كلام المحقّق الخراساني.
٢. نهاية الدراية : ١ / ٢٣٣.