ثمّ إنّ سيّدنا الأُستاذ صحّح تكليف المعدوم عن طريق القضية الحقيقية ولكنّه لم يُصحّح خطاب الغائب والمعدوم عن تلك الطريقة ، فقال في الفرق بين الموردين ما هذا حاصله :
إنّ الحكم في القضية الحقيقية على عنوان للافراد قابل للصدق على كلّ مصداق موجود فعلاً أو ما يوجد في القابل ، ومثل ذلك لا يتصور في الخطاب ، إذ لا يمكن أن يتعلّق الخطاب بعنوان أو أفراد له ولو لم تكن حاضرة في مجلس التخاطب والخطاب نحو توجه تكويني نحو المخاطب لغرض التفهيم ، ومثل ذلك يتوقّف على حاضر ملتفت ، والمعدوم والغائب ليسا حاضرين ولا ملتفتين.
وبالجملة ما سلكناه من التمسك بالقضية الحقيقية ، في غير الخطابات لا يجري فيها ، إذ الخطاب الحقيقي يستلزم وجوداً للمخاطَب ، ووجوداً واقعياً للمخاطِب ، والقول بأنّ الخطاب متوجّه إلى العنوان كجعل الحكم عليه ، مغالطة محضة ، لأنّ تصوّر الخطاب بالحمل الشائع يأبى عن التفوه بذلك. (١)
يلاحظ عليه : بأنّ الظاهر عدم الفرق بين التكليف والخطاب وانّ الممتنع ، ممتنع في كلا المقامين والممكن منها ممكن كذلك ، وذلك لأنّ الخطاب وإن كان لا ينفك عن المخاطب ولكن المفروض وجود المخاطَب في كلتا المرحلتين : الحدوث والبقاء.
وليس المدعى شمول الخطاب بوجوده الحدوثي الغائبينَ والمعدومين ، حتّى يتم ما ذكره ، بل المراد شمول الخطاب لا بوجوده الحدوثي ، بل بوجوده الاستمراري ، فكما أنّ الموضوع ينطبق على مصاديقه حسب التدريج ، فهكذا الخطاب يتحقّق شيئاً فشيئاً بوجوده الاستمراري على مصاديقه التدريجية عبر
__________________
١. تهذيب الأُصول : ١ / ٥٠٦.