التقريب الرابع لتصحيح الترتّب
وهناك تقريب رابع ذكره المحقّق البروجردي ، وقد ركز على خلاف التقريبين السابقين على عدم التزاحم في المواضع الثلاثة : مقام الجعل والتشريع ، ومقام الفعلية ، ومقام الامتثال. وقد قرره تارة في هذا المبحث وأُخرى في مبحث الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي ، وإليك إجمال ما أفاد :
إنّه لا إشكال في أنّ التكليف بالمحال ، بنفسه محال ، فإنّ التكليف الحقيقي إنّما يصدر من المولى بداعي انبعاث المكلّف وتحرّكه نحو العمل ، فإذا كان نفس المكلّف به محالاً ، كالجمع بين السواد والبياض ، أو الصعود إلى السماء بلا وسيلة ، فلا محالة لا تنقدح الإرادة في نفسه جدّاً ، وإن تكلّم به فإنّما يتكلّم به لدواع أُخر.
ومثله إذا كان هناك تكليف وكان كلّ واحد منهما أمراً ممكناً ، والزمان لا يتّسع إلاّ لواحد منهما. فهذا أيضاً لا يصدر من المولى ، لا لأنّ المكلّف به أمر محال ، لأنّ المفروض أنّ كلّ واحد منهما أمر ممكن ، وليس الجمع هو المأمور به حتّى يكون الامتناع لأجل طلب الجمع ، بل من جهة تزاحمهما في مقام التأثير وإيجاد الداعي ، فإنّ كلّ واحد من الضدّين ، وإن كان ـ بحياله ـ أمراً ممكناً ، لكن لمّا كان قيامه بهذا الواجب وذاك الواجب في زمان لا يسع إلا واحداً منهما ، أمراً غير ممكن ، كان صدور الطلب من المولى بهذا النحو ، أمراً محالاً بعد التفاته إلى الحال.