فأعطاك اللّه؟ فقال : لقد ورثت لكابر عن كابر؟ فقال : إن كنت كاذباً فصيّرك اللّه إلى ما كنت.
وأتى الأقرع في صورته وهيئته فقال له مثل ما قال لهذا ، فردّ عليه مثلما رد عليه هذا ، فقال : إن كنت كاذباً فصيّرك اللّه إلى ما كنت.
وأتى الأعمى في صورته فقال : رجل مسكين وابن سبيل وتقطّعت بي الحبال في سفري ، فلابلاغ اليوم إلا باللّه ، ثمّ بك ، أسألك بالذي رد عليك بصرك ، شاة أتبلّغ بها في سفري ؛ فقال : قد كنت أعمى فرد اللّه بصري ، وفقيراً فقد أغناني ، فخذ ما شئت ، فواللّه لاأجحدك اليوم بشيء أخذته للّه ، فقال : أمسك مالك فإنّما ابتليتم فقد رضي اللّه عنك وسخط على صاحبيك. (١)
هذا هو كلام الرسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد استعمل لفظ البداء في حقّه سبحانه ، ومن الطبيعي انّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يستعمل هذا اللفظ في معناه اللغوي لاستلزامه ـ والعياذ باللّه ـ الجهل على اللّه سبحانه ، بل استعمله في معنى آخر لمناسبة بينه وبين المعنى اللغوي.
وعلى ضوء ذلك فلا غرو في أن نعبر عن فعله بما نعبر به عن أفعالنا ، إذا كان التعبير مقروناً بالقرينة الدالة على المراد ، فإذا ظهر الشيء بعد الخفاء ، فبما انّه بداء بالنسبة إلينا نوصف فعله سبحانه به أيضاً وفقاً للمشاكلة ، وإلا فهو ـ في الحقيقة ـ بداء من اللّه للناس ، ولكنّه يتوسع كما يتوسّع في غيره من الألفاظ ، ويقال بدا للّه تمشياً مع ما في حسبان الناس وأذهانهم وقياس أمره سبحانه بأمرهم ، ولا
__________________
١. البخاري : الصحيح ٤ / ١٧٢ ، كتاب الأنبياء ، باب حديث أبرص وأعمى وأقرع في بني إسرائيل.