نظرنا في أسماء الأجناس
إنّ مختار المشهور ( أسماء الأجناس موضوعة للماهية بما هي هي مجرّدة عن الوجود والعدم وعن عامة العوارض ) لا يخلو عن إشكال ، ويعلم ذلك مَن وقف على نشوء اللغات في المجتمع البشري.
إنّ وضع اللفظ للماهية بالنحو المذكور عمل الحكيم والفيلسوف الذي يستطيع أن يتصوّر الموضوع له عارياً عن كلّ قيد ثمّ يضع اللفظ بازائها ، والظاهر انّ الواضع في أكثر اللغات لم يكن إنساناً حكيماً عارفاً بتجريد الماهية عن الوجود وتصوّرها عن كلّ قيد ، بل الظاهر أنّ أسماء الأجناس من يومها الأوّل وضع لفرد خارجي ثمّ إذا قابل الواضع بفرد هو نظيره ، يطلقُ عليه ذلك اللفظ لما بينهما من المشابهة.
وهكذا يستمر الأمر حتّى يحصل له وضع ثانوي حسب كثرة الاستعمالات فينقل اللفظ من المعنى الأوّل إلى الجامع بين هذه المصاديق.
وإن كنت في شكّ من ذلك فلاحظ ألفاظ أرباب الاختراع كالسيارة والمذياع والتلفاز إلى غير ذلك ، فانّ المخترع ينتخب لفظاً لما اخترعه فيكون الوضع خاصاً لكون الملحوظ خاصاً ويضع اللفظ لما اخترعه ويكون الموضوع له خاصاً أيضاً ، لكن حسب تكرر الاستعمال في أشباه ما وضع له ، يحصل الوضع التعيني للجامع بين الأفراد.
وبذلك تعرف انّ الموضوع له كالوضع كان خاصاً ولكن مرور الزمان وكثرة الاستعمال صار سبباً لنقله القهري من الموضوع له الخاص إلى الموضوع له العام.
وهناك احتمال آخر وهو أن يكون الوضع خاصاً والموضوع له عاماً من أوّل