الفصل الخامس
في سعة كل من الأمر والنهي موضوعا وحكما
تقدم أن ورود الأمر على الماهية يرجع إلى نحو نسبة بينها وبين الآمر والمأمور ، وورود النهي عليها يرجع إلى نحو نسبة بينها وبين الناهي والمنهي ، وبهاتين النسبتين قوام الحكم الشرعي. ومن الظاهر أن الآمر والناهي شخصي لا سعة فيه لينطبق على كثيرين ، وكذا المأمور والمنهي إلا في الواجب الكفائي على كلام يأتي في محله إن شاء الله تعالى. والذي لا إشكال في أن له نحوا من السعة ويقبل الإطلاق التقييد هو المأمور به والمنهي عنه ، لأنهما كليان. وكذا النسبة التي بها قوام الحكم الشرعي ، فإنها ـ وإن كانت جزئية ـ تقبل نحوا من السعة والتضييق بالإطلاق والتقييد بشرط أو غاية أو غيرهما ، على ما سبق في التنبيه الأول من تنبيهات الكلام في المعنى الحرفي. والمتبع في تحديد سعة كل من الأمرين في مقام الإثبات ظاهر الدليل. وبعد تحديد سعة كل منهما إطلاقا أو تقييدا فالظاهر المصرح به في كلام جماعة اختلاف الأمر والنهي في جهتين :
الأولى : أنه يكفي في موافقة الأمر والجري على مقتضاه تحقيق صرف الوجود من الماهية المأمور بها مطلقة كانت أو مقيدة ، بخلاف النهي حيث لا بد في موافقته والجري على مقتضاه من استيعاب تمام أفراد الماهية المنهي عنها بالترك ، ولا يكفي ترك بعض أفرادها مع فعل غيره.
الثانية : أن مقتضى الأمر الجري عليه وموافقته ـ بتحقيق صرف الوجود ـ في بعض أزمنة وجوده ، تبعا لوجود موضوعه. أما النهي فلا يكفي فيه ذلك ،