المسألة الثالثة : فيما يتعلق بالنهي ، الأمر
حيث سبق أن امتثال النهي إنما يكون بترك تمام أفراد الطبيعة المنهي عنها في تمام أزمنة النهي كان مناسبا للفور والتكرار على خلاف ما سبق في الأمر ، وليس هو موردا للإشكال عندهم ، وإنما وقع الكلام في أمرين ..
الامر الأول : في أنه هل يكتفى في امتثال النهي وموافقته بمحض الترك ولو مع الغفلة عن المنهي عنه أو مع وجود الصارف عنه ، أو لا بد فيه من كف النفس عن الماهية الموقوف على الالتفات إليها ثم الإعراض عنها؟.
وقد يظهر منهم المفروغية عن أن مقتضى حاق اللفظ هو الاكتفاء بمحض الترك. وكأنه لما ذكرنا آنفا من أن مقتضى النهي عرفا مفاد القضية الحملية السالبة.
ولا وجه لاعتبار الكف زائدا على الترك إلا دعوى : أن الترك لما كان عدميا كان أزليا سابقا على وجود المكلف ، فلا يكون مقدورا له ولا يمكن صرف التكليف له ، بل لا بد من صرفه لما هو المقدور له وهو الكف. لكنها مندفعة بما ذكره غير واحد من أن عدم قدرة المكلف على الترك الأزلي لا ينافي قدرته على الترك ببقائه واستمراره ، وهو كاف في إمكان التكليف به.
نعم ، بناء على أن الأصل في الأمر أن يكون تعبديا فمقتضى بعض الوجوه المذكورة له العموم للنهي ، ومقتضاه عدم الاكتفاء بالترك ، بل لا بد من كونه بداعي امتثال النهي ، وهو أخص من الكف. لكن الوجه المذكور غير تام على ما يأتي في مبحث التعبدي والتوصلي ، إن شاء الله تعالى. مع أنه مختص بتحديد مقتضى الإطلاق ، ولا يجري فيما إذا دل الدليل على كون النهي توصليا ، حيث لا إشكال في كثرة ذلك في النهي.