هذا ، والظاهر أن الخطاب بالنحو المذكور هو حقيقة الإرادة والكراهة التشريعيتين اللتين شاع في كلماتهم انتزاع الأحكام التكليفية منهما ، كما وقع التعبير عنهما بالإرادة والمحبة والكراهة والبغض لغة وعرفا وشرعا. ومن الظاهر أن الإرادة والكراهة تستعملان لغة وعرفا حقيقة في الحالتين النفسيتين المستتبعتين لتحريك العضلات نحو تحقيق المراد ومنع المكروه ، والمعبر عنهما بالإرادة والكراهة التكوينيتين ، فإطلاق الإرادة والكراهة أيضا على الإرادة والكراهة التشريعيتين ـ بالمعنى المتقدم ـ إما أن يبتني على الاشتراك اللفظي أو على التوسع والمجاز ، إما بلحاظ مشاركتهما للتكوينيتين في اقتضائهما تحقيق المراد ومنع المكروه ، أو بلحاظ كثرة موارد تبعية التشريعيتين للتكوينيتين ، إذ كثيرا ما تكون التشريعيتان من مقدمات تحقيق المراد أو منع المكروه التكوينيين.
وكيف كان ، فهما مختلفتان سنخا ، فالحقيقيتان التكوينيتان من الصفات النفسية الحقيقية ، وهما تابعتان لوجود الغرض الداعي لمقتضاهما مما يترتب خارجا عليه ، والتشريعيتان من سنخ الأمور الاعتبارية المتقوّمة بالجعل الذي هو ـ كسائر الأفعال الاختيارية ـ تابع لإرادة تكوينية متعلقة به تابعة لغرض مترتب على نفس الجعل. ولذا أمكن فيهما أمور ..
الأول : تحقق التشريعيتين مع العلم بعدم تحقق مقتضاهما من المكلّف ـ قصورا أو تقصيرا ـ مع امتناع ذلك في التكوينيتين.
الثاني : تخلف مقتضاهما عنهما ـ قصورا أو تقصيرا ـ مع قدرة المكلّف على تحقيق مقتضاهما بإيصال التكليف وتمكين المكلّف من مقدمات الامتثال ، وإحداث الداعي له إليه بترغيب وترهيب ، وبتوفيق وهداية منه تعالى ، أو بإقناع ـ ولو بواسطة ـ من غيره. وهو ممتنع أيضا في التكوينيتين.