ومن هنا كان الظاهر على جميع المباني جريان البراءة في المقام ، إما لأن المسألة من صغريات مسألة الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين ـ كما هو الظاهر ـ أو لأنها نظيرها. بل بناء على أن الفرق بين التعبدي والتوصلي في سنخ الأمر قد يكون جريان البراءة فيها أظهر ، كما يظهر بملاحظة ما تقدم.
بقي في المقام تنبيهات :
الأول : مما تقدم في اعتبار التقرب في التعبدي يظهر الحال في غيره مما قيل أو يحتمل اعتباره في العبادة مما كان متفرعا على الأمر ، كقصد الوجه ـ الذي هو عبارة عن قصد خصوصية الأمر من الوجوب والاستحباب داعيا ـ والتمييز ـ الذي هو عبارة عن قصد خصوصيتي الوجوب والاستحباب عنوانا للفعل ، أو تمييز الأجزاء الواجبة والمستحبة ـ فإنهما كقصد الامتثال يمتنع تقييد المأمور به بهما بعنوانهما ، وقد سبق أن ذلك لا يمنع من التمسك بالإطلاق والأصل لنفي اعتبار القيد.
وكذا الحال في الاجتزاء بالامتثال الاحتمالي والإجمالي وإن استلزم التكرار. لأنه يكفي في التقرب الإتيان بالفعل لاحتمال كونه مطلوبا وموردا للغرض ، فاعتبار ما زاد على ذلك يحتاج إلى دليل مخرج عن مقتضى الإطلاق والأصل بالتقريب المتقدم. ويأتي في الفصل الخامس من مباحث القطع ما ينفع في المقام.
التنبيه الثاني : من الظاهر اختصاص الإشكال في التعبدي بما إذا كان الأمر نفسه تعبديا قد أخذ في متعلقه قصد التقرب من حيثيته إما بقصد امتثاله ، أو بقصد موافقة الغرض المستكشف به ، أما لو كان الأمر توصليا وقد اعتبر التقرب في موضوع حكم آخر فلا إشكال أصلا ، بل هو كسائر القيود غير المتفرعة على الحكم المقيد والتي يمكن لحاظها في مرتبة سابقة عليه وأخذها في متعلقه.