الفصل الرابع
في مفهوم الحصر
لا يخفى أن حصر الحكم بمورد مساوق لانتفائه عن غيره الذي هو عبارة أخرى عن المفهوم ، ولا معنى مع ذلك للكلام في مفهوم الحصر ، بل لا بد من رجوع الكلام في المقام إلى الكلام في تشخيص مفاد أدوات خاصة ، وفي أنها هل تدل على الحصر ، ليكون لها مفهوم ، أو لا ، بل هي متمحضة في الدلالة على ثبوت الحكم في المورد من دون أن تتضمن الحصر؟ ، نظير ما تقدم في مفهوم الغاية. وهي عدة أدوات.
منها : أدوات الاستثناء ، مثل (إلا) و(غير) و(سوى) و(عدا) وغيرها مما ذكره النحويون. ومورد الكلام ما إذا وردت للاستثناء ، دون التوصيف ، بل يبتني الكلام فيها حينئذ على الكلام في مفهوم الوصف.
هذا والظاهر شيوع استعمال (غير) للتوصيف ، دون الاستثناء كما في قوله تعالى : (رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ)(١) ، وقولنا : أكرم عالما غير فاسق ، وأكرمت رجلا غير فاسق. ومن هنا يشكل البناء على الاستثناء في المورد الصالح له وللتوصيف ، كما في قولنا : أكرم العلماء غير العدول. إلا أن يعين أحد الأمرين بكيفية الإعراب ، أو بقرينة خارجية.
وأما (إلا) فقد ذكر النحويون أنها قد تكون للتوصيف مستشهدين بقوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)(٢) ، على كلام لا مجال للإطالة فيه ،
__________________
(١) سورة فاطر الآية : ٣٧.
(٢) سورة الأنبياء الآية : ٢٢.