مجعولة أو منتزعة ، فالظاهر أن المراد بكونها منتزعة أحد هذين المعنيين ـ على ما يتضح عند الكلام في ذلك ـ في قبال كونها مجعولة بنفسها بما لها من مفاهيم خاصة.
ويظهر أثر النزاع المذكور في كونها موضوعا للتعبد الشرعي ، كما يتضح بملاحظة ما سبق في الأمر الثالث في ضابط جريان التعبد المذكور ، حيث إنه بناء على كونها مجعولة يتجه التعبد بها بلحاظ آثارها العملية المترتبة عليها بلا واسطة أو بواسطة أحكامها الشرعية ، كما سبق.
أما بناء على كونها منتزعة بالمعنى الأول فحيث كان لها نحو من الوجود لا يستند للشارع أمكن التعبد بها بلحاظ آثارها الشرعية ، دون غيرها من الآثار.
وأما بناء على كونها منتزعة بالمعنى الثاني فلا مجال للتعبد بها أصلا بمفاهيمها الخاصة ، لفرض عدم كونها بنفسها موردا للجعل ولا موضوعا لحكم مجعول شرعا ، بل لا يمكن التعبد إلا بمنشإ انتزاعها.
إذا عرفت هذه الأمور فالكلام في حقيقة الأحكام الوضعية يكون في ضمن مسائل ..
المسألة الأولى : الظاهر أن الأحكام الوضعية التي أخذت في موضوع الأحكام الشرعية الأخرى ـ كالحرية والرقية والزوجية والملكية والوقفية وغيرها ـ أمور مجعولة للشارع الأقدس تأسيسا أو إمضاء لما عليه العرف. لظهور أدلتها في ذلك تبعا للمرتكزات المتشرعية ، بل العرفية في كثير منها. ولا سيما مع أن كثيرا منها يثبت تبعا لإنشائه ممن له السلطنة عليه في العقود والإيقاعات ، حيث لا إشكال في أن قصد المنشئ لها إيجادها اعتبارا ، وظاهر أدلة النفوذ والإمضاء الشرعية تنفيذ إنشائه وجعل مقتضاه شرعا. ومنه يظهر أن جميع مضامين العقود والإيقاعات المعتبرة أحكام شرعية وضعية.