ولعل الأولى أن يقال : الوجه في حجية العام المخصص في الباقي بناء أهل المحاورة على ذلك وسيرتهم القطعية الارتكازية ، التي جرت على طبقها سيرة أهل الاستدلال من صدر الإسلام إلى يومنا هذا بمقتضى طبعهم ، من غير نكير منهم. ولو لا ذلك لاختل نظام الاستدلال والاستنباط ، لكثرة تخصيص العمومات ، حتى قيل : ما من عام إلا وقد خصّ. وكفى بسيرتهم ـ تبعا لارتكازيات أهل المحاورة ـ حجة في المقام ، لأنها الدليل على حجية الظواهر الكلامية في جميع الموارد. ولا يعتنى بخلاف من تقدم للشبهة المتقدمة بعد شذوذه وخروجه عن ذلك.
والظاهر ابتناء حجية العام في الباقي عندهم على كون العام من سنخ المقتضي للكشف عن إرادة المتكلم لعموم الحكم لأفراده وأحواله ، فلا يرفع اليد عنه فيها إلا في مورد المزاحمة بالخاص ـ تقديما لأقوى الدليلين ـ عملا بالمقتضي ما لم يثبت المانع ، بناء منهم على التفكيك بين الأفراد والأحوال في مقام استكشاف مراد المتكلم من العام ، لخصوصية فيه ، لا لعموم التفكيك في الحجية بين الدلالات التضمنية ، لينافي ما تقدم منا في دفع الوجه الذي سبق من التقريرات.
ولا يهم مع ذلك تحقيق أن العام صادر لضرب القاعدة ، أو للتقية ، أو غيرهما مما ينافي أصالة الجهة ، أو أنه مبتن على التوسع أو المجاز في استعمال أداة العموم أو مدخولها ، لتنزيل الأفراد الخارجة منزلة العدم ، اعتمادا على قرينة متصلة حالية أو مقالية اختفت علينا ، أو غير ذلك مما يصحح للمتكلم بيان العام مع إرادة الخاص. فإن ذلك كله وإن أمكن ثبوتا ، إلا أنه لا دخل له في مقام العمل بعد ما سبق من لزوم البناء على حجية العام والاقتصار في الخروج عنه على مورد ثبوت التخصيص.
نعم لا بد من صلوح الباقي لأن يحمل عليه العام عرفا ، ولا يكون سوقه