نعم ، قد يعتد بالاحتمال المذكور في خصوص الطهارة والنجاسة ، لعدم تبعيتهما للإنشاء ليدرك العرف اعتباريتهما ، ولمناسبة ملاكهما للأمر الحقيقي.
لكن منع من ذلك بعض الأعاظم قدسسره مدعيا بداهة أن الطهارة والنجاسة بمعنى النظافة والقذارة من الأمور الاعتبارية العرفية ، ولذا يستقذر العرف والعقلاء بعض الأشياء دون بعض. غايته أن الشارع قد أضاف بعض الأمور لذلك مما لا يستقذرونه ، تخطئة منه لهم في المصداق ، من دون تبديل المفهوم.
ويشكل .. أولا : بأن الاستقذار العرفي يبتني على عدم ملائمة الشيء للنفس لخصوصية فيه يدركها العرف ويكون للعادة والتنفير دخل في ذلك ، ولذا يختلف باختلاف المجتمعات والأفراد والأوقات ، فهو من الأمور الواقعية الإضافية ، لا الاعتبارية الجعلية. بل ما ذكره قدسسره من فرض تخطئة الشارع فيه للعرف لا يناسب كونه اعتباريا.
وثانيا : بأن التأمل في المرتكزات الشرعية والعرفية قاض باختلاف الطهارة والنجاسة الشرعيتين عن النظافة والقذارة العرفيتين سنخا ، وأن النجاسة الشرعية بمفهومها تناسب قبح الارتكاب المقتضي للذم ، والقذارة العرفية تناسب عدم الارتكاب لمجرد عدم ملاءمته للنفس ، وليس الاختلاف بينهما ناشئا من تخطئة الشارع للعرف في المصداق مع اتحادهما حقيقة.
ويناسب ما ذكرنا صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام : «قال : إن سال من ذكرك شيء من مذي أو ودي وأنت في الصلاة فلا تغسله ... فإنما ذلك بمنزلة النخامة ، وكل شيء خرج منك بعد الوضوء فإنه من الحبائل أو من البواسير وليس بشيء فلا تغسله من ثوبك إلا أن تقذره» (١). لظهوره في إقرار الغسل للاستقذار من دون أن يكون الحكم بعدم نجاسته راجعا لتخطئة العرف في
__________________
(١) الوسائل ج : ١ باب : ١٢ من أبواب نواقض الوضوء حديث : ٢.