الفصل الخامس
في تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده
قد وقع الكلام بينهم في أن تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده هل يمنع من البناء على عموم حكمه ، فيقتصر فيه على خصوص الأفراد المرادة بالضمير ، أو لا بل يبقى العام على عمومه؟
والظاهر التفصيل بين أن يكون اختصاص الضمير ببعض الأفراد مقتضى قرينة متصلة ، وأن يكون مقتضى قرينة منفصلة. فالأول نحو قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(١) ، فإن الإيلاء هو الحلف على ترك الوطء ، ومن أجله أمكن عموم حكم الإيلاء لكل زوج حتى من كان زواجه منقطعا ، إلا أن قوله تعالى : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) مختص بمن يشرع منه الطلاق ، وهو من كان زواجه دائما.
وفي مثل ذلك يتعين التوقف عن عموم حكم العام ، لأن ذلك من القرائن المحيطة بالكلام التي لو لم توجب ظهوره في الخصوص فلا أقل من أن تمنع انعقاد ظهوره في العموم ، وجميع ما ذكر في كلماتهم في وجه عدم رفع اليد عن العموم ـ لو تم ـ إنما يتوجه مع انعقاد ظهوره في العموم ، وتحقق مقتضى الحجية فيه.
والثاني نحو قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ
__________________
(١) سورة البقرة الآية : ٢٢٦ ، ٢٢٧.