ضعفها ، أو ابتنائها على مبان ظهر بطلانها في محلها المناسب. بل الإنصاف أن الأمر من الوضوح بحدّ يلحق أدلة المنع بالشبهة في مقابل البديهة.
بقي الكلام في حقيقة الحسن والقبح المذكورين ، وكيفية إدراك العقل لهما. والظاهر بعد التأمل في المرتكزات أن العقل يدرك أولا حسن الشيء أو قبحه على أنه أمر واقعي ـ كسائر المدركات الواقعية ـ ثم يدعو لفعل الحسن وترك القبيح.
والداعوية المذكورة وإن كانت نحوا من الحكم ، إلا أنه لا يعتمد على قوة وسلطان ، ليكون أمرا ونهيا ، إذ لا قوة للعقل ولا حول ، بل محض إرشاد ونصح ، مبتن على نحو من التشجيع والتأنيب نابع من صوت الوجدان والضمير الذي أودعه تعالى في الإنسان واحتج به عليه. وإليه يرجع حكم العقلاء باستحقاق المدح والذم ، وأهلية الثواب أو العقاب. والحكمان المذكوران مختلفان سنخا ، ومترتبان في أنفسهما ترتب الحكم على الموضوع. ونظير ذلك إدراك اللذات في الأشياء ، ثم دعوة النفس لتحصيلها ، وغير ذلك من الداعويات المختلفة. ولا يهم مع ذلك تحقيق أن الحاكم هو العقل النظري أو العملي ، إذ هو أشبه بالاصطلاح الذي لا مشاحة فيه.
لكن يظهر من بعض المعاصرين رحمهالله إنكار الأمر الأول ، وأن الحسن والقبح متمحضان في الثاني ، حيث ذكر أنه لا واقع لهما إلا إدراك العقلاء وتطابقهم على أن الشيء ينبغي أن يفعل أو يترك ، وأن ذلك من التأديبيات الصلاحية الداخلة في القضايا المشهورة التي لا واقع لها وراء تطابق العقلاء.
قال : «فمعنى حسن العدل أو العلم عندهم أن فاعله ممدوح لدى العقلاء ، ومعنى قبح الظلم والجهل أن فاعله مذموم لديهم. ويكفينا شاهدا على ما نقول ـ من دخول أمثال هذه القضايا في المشهورات الصرفة التي لا واقع لها إلا الشهرة ، وأنها ليست من قسم الضروريات ـ ما قاله الشيخ الرئيس في منطق