المبحث الثاني
في ملازمة حكم الشرع لحكم العقل
لعل المعروف بين أصحابنا ثبوت الملازمة المذكورة ، ولذا تكرر في كلماتهم الاستدلال على حرمة بعض الأمور شرعا بدليل العقل ، لابتناء الاستدلال به على إدراك قبحها ، وهو إنما يقتضي حكم الشارع بحرمتها بضميمة الملازمة المذكورة.
وقد استدل عليها بجملة من الوجوه ، تعرض لجملة منها في الفصول وأطال الكلام فيها.
ولعل أمتنها ما جعله ثالث الوجوه ، وإليه يرجع ما اعتمده بعض المعاصرين رحمهالله قال : «فإن العقل إذا حكم بحسن شيء أو قبحه ... فإن الحكم هذا يكون بادي رأي الجميع ، فلا بد أن يحكم الشارع بحكمهم ، لأنه منهم ، بل رئيسهم ، فهو بما هو عاقل ـ بل خالق العقل ـ كسائر العقلاء لا بد أن يحكم بما يحكمون. ولو فرضنا أنه لم يشاركهم في حكمهم لما كان ذلك الحكم بادي رأي الجميع. وهذا خلاف الفرض».
ومقتضاه كون الملازمة في المقام من صغريات ملازمة الجزء للكل ، نظير ملازمة قول الإمام عليهالسلام للإجماع المصطلح بين الأصحاب.
لكنه يشكل بأن محل الكلام ليس هو إدراك الشارع كسائر العقلاء حسن الشيء أو قبحه والدعوة لفعل الأول وترك الثاني ، واستحقاق المدح والذم بموافقتها ومخالفتها ، فإن ذلك لا يصحح نسبة الحكم إليه ، بنحو تكون موافقته طاعة له مستتبعة لاستحقاق ثوابه ، ومخالفته معصية له