بوجوب الاحتياط ـ لا عن تقصير ، الذي هو مرجع البراءة العقلية. وذلك ينفع في معرفة حدود التكليف الشرعي الواقعي ومعرفة الوظيفة الظاهرية العملية.
إلا أن ذلك غير مهم فيما نحن فيه ، للتسالم على عدم التكليف بما لا يطاق ، بنحو لا يهتم بإثباته من طريق الملازمة ، ولعدم نهوض البراءة العقلية ببيان الحكم الواقعي ، لتكون من الأدلة التي هي مورد البحث ، وإنما هي أصل عملي عقلي يبحث عنه في محل آخر. إلا أن يراد من الأدلة ما يعم دليل الوظيفة الظاهرية العملية. ولعله لذا خص بعضهم دليل العقل بالبراءة الأصلية.
بقي شيء
وهو أن صاحب الفصول وإن نفى الملازمة الواقعية بين حكم العقل بحسن الشيء أو قبحه وحكم الشرع على طبقه ، إلا أنه ذهب إلى الملازمة بينهما ظاهرا ، بمعنى أن مقتضى الأصل مطابقة حكم الشارع لحكم العقل ما لم يثبت خلافه من الشارع الأقدس. واستدل على ذلك بوجهين :
الأول : قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ)(١) ، وقوله سبحانه : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ)(٢) ، وقوله عزّ اسمه : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ ...)(٣) ، ونحو ذلك.
لكن الاستدلال بها حيث لا يرجع لحكم العقل ، بل لظهور الأدلة النقلية ، التي تكون نتيجتها أحكاما فرعية لا مسألة أصولية ، فهو خارج عن محل الكلام. كما لا يسعنا إطالة الكلام في مفادها. ولا سيما مع عدم اختصاص الأدلة
__________________
(١) سورة النحل الآية : ٩٠.
(٢) سورة الأعراف الآية : ١٥٧.
(٣) سورة الأعراف الآية : ٣٣.