بقي شيء :
وهو أنه مما تقدم في أول المسألة يتضح أن الإمامة العامة وإمامة الجماعة وكون الشخص قاضيا والولاية والوصاية والوكالة من الأحكام الوضعية المجعولة شرعا ، لتبعيتها للجعل والاعتبار ممن بيده الاعتبار. بل الأربعة الأخيرة مقتضى مضمون إنشائي ، كسائر مضامين العقود والإيقاعات التي عرفت وضوح جعلها شرعا. ولأخذ الكل في موضوع الأحكام الشرعية ، كوجوب الطاعة والمتابعة في أفعال الصلاة وجواز التصرف ونفوذه ونحوها ، حيث يكون ذلك شاهدا بتقدمها رتبة على تلك الأحكام ، كما تقدم نظيره.
وأما ما يظهر من غير واحد من المفروغية عن عدم كون الإمامة العامة من الأحكام الوضعية ، وأنها كالنبوة. فهو كما ترى! إذ لا ينبغي التأمل في تبعيتها للجعل والاعتبار بعد قوله تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً)(١). والنصوص المتضمنة لذلك.
ولا يمنع من ذلك اعتبار كمال النفس وصفائها بمرتبة عالية فيها ، لأنها شرط الأهلية لها ، لا مقومة لمفهومها ، لتكون من الأمور الحقيقية التكوينية.
وأما النبوة فإن كانت تابعة للجعل والاعتبار على نحو ما يعتبر في الإمامة فالالتزام بأنها من الأحكام الوضعية المجعولة غير عزيز ، وإن كانت تابعة لسبب تكويني فلا وجه لقياس الإمامة عليها.
المسألة الثانية : الظاهر أن الحجية من الأمور الاعتبارية المجعولة بنفسها ، كما يظهر من المحقق الخراساني قدسسره ، ومرجعها إلى كون الشيء بنحو يصلح لأن يعتمد عليه في إحراز الواقع والبناء عليه في مقام العمل. ولازم ذلك نهوضها بالمعذرية والمنجزية بالإضافة للواقع. ومقتضاهما حكم العقل طريقيا
__________________
(١) سورة البقرة الآية : ١٢٤.