كما ظهر أن دعوى مانعية أحد الضدين من الآخر خلف ، لأن المراد بالضد ليس مطلق ما لا يجتمع مع الشيء في الوجود ، بل خصوص ما لا يمنع من تأثير المقتضي في الموضوع ، فإذا فرض مانعيته خرج عن كونه ضدا وصار مانعا ، وخرج عن محل الكلام. ومن هنا لا حاجة إلى تكلف الاستدلال على عدم مانعية أحد الضدين من الآخر ، كما وقع من جماعة من المتأخرين ، حيث قد يقرب الامتناع بدعوى استلزام المانعية للدور.
وذلك لأنه كما يستند وجود الشيء لعدم المانع ، بحيث يكون عدم المانع من مقدماته ، كذلك يستند عدم الشيء لوجود المانع ، بحيث يكون وجود المانع من مقدمات العدم المذكور ، فإذا كان كل من الضدين مانعا من الآخر فكما يلزم استناد وجود كل من الضدين لعدم الآخر ومقدميته له ، بملاك علية عدم المانع للمعلول ومقدميته له ، كذلك يلزم استناد عدم كل منهما لوجود الآخر ومقدميته له ، وهو دور واضح.
الأمر الثالث : أشرنا في تمهيد هذه المسألة إلى أن ثمرتها المهمة هي فساد الضد لو كان عبادة. وعن البهائي قدسسره إنكار الثمرة المذكورة ، بدعوى أن الأمر بالضد وإن لم يقتض النهي عن ضده إلا أنه يستلزم عدم الأمر بضده ، فيمتنع التقرب به ، لأنه فرع الأمر به ، فيبطل لو كان عبادة.
لكن ذلك إن ابتنى على أن الأمر بالضد يستلزم قصور الأمر بضده خطابا وملاكا ، نظير الصلاة الفاقدة للطهارة ، أشكل بأن قصور الأمر المذكور إنما هو من جهة التزاحم بين الأمرين ، وهو إنما يوجب فعلية الأهم وقصور المهم خطابا لا ملاكا ، على ما يأتي عند الكلام في معيار التزاحم من خاتمة مبحث التعارض.
وإن ابتنى على أن المعيار في العبادية على الأمر الفعلي ، وعدم كفاية