ولا يخفى أن الأمر الأول منشأ لانتزاع جزئية الشيء من موضوع الغرض ، والثاني منشأ لانتزاع جزئيته من متعلق الأمر بذاته ، والثالث منشأ لانتزاع جزئيته من متعلق الأمر بما هو مأمور به.
وحيث كان محل الكلام في المقام هو الثالث ـ لأنه القابل لاحتمال الجعل استقلالا أو تبعا لجعل الحكم ، ولأنه مورد الأثر والعمل ـ تعين البناء على انتزاع الجزئية من الحكم على نحو ما تقدم في السببية وأخواتها ، لأنها مثلها من الإضافات التابعة لخصوصية الحكم المجعول.
ولا وجه مع ذلك لما ذكره بعض مشايخنا من جعلها تبعا لجعل الحكم ، فضلا عن جعلها استقلالا.
كما لا وجه لما احتمله شيخنا الأستاذ قدسسره من جعلها أو انتزاعها في رتبة سابقة على الحكم ، ومع قطع النظر عنه. إلا أن يريد منها الجزئية لمتعلق الغرض أو لمتعلق الأمر بذاته ـ لا بما هو مأمور به ـ اللذين عرفت خروجهما عن محل الكلام.
المسألة الخامسة : وقع الكلام في حقيقة الصحة والفساد ، وأنهما من الأمور الواقعية ، أو المتأصلة بالجعل ، أو المنتزعة. ومن الظاهر أن الصحة لغة وعرفا تقابل السقم والمرض ولا تقابل الفساد ، والذي يقابل الفساد هو الصلاح ، فالتقابل بين الصحة والفساد مختص بعرف المتشرعة ـ تبعا لأهل العلم والاستدلال من الفقهاء والأصوليين ـ ومبني على ملاحظة المناسبة لمعناهما اللغوي والعرفي ، لا جريا عليه. ومنه يظهر ضعف ما يظهر من جماعة من تطابق معناهما المتشرعي مع المعنى اللغوي والعرفي ، وأنهما بمعنى التمامية وعدمها. بل صرح بعض مشايخنا بأن معنى الصحة لغة تمامية الأجزاء والشرائط ومعنى الفساد عدمها. كيف؟! والمقابل للتمامية لغة وعرفا النقص لا