الأمر الأول : حقيقة الوضع
من الظاهر أن دلالة اللفظ على المعنى تبتني .. تارة : على أداء اللفظ للمعنى بنفسه بلا توسط عناية في البين.
وأخرى : على عناية وتوسع خارجين عن حقيقة المعنى. والاستعمال في الثاني مجازي أو نحوه مما يجري عليه أهل الاستعمال ، وليس هو فعلا موردا للكلام. وأما في الأول فهو حقيقي ، وهو متفرع على علاقة خاصة بين اللفظ والمعنى تصحح نسبة أحدهما للآخر ، فيقال : هذا معنى اللفظ ، وهذا المعنى لفظه كذا.
ولا إشكال في عدم تبعية هذه العلاقة لذات اللفظ والمعنى ، وإن كان قد يوهمه ما قيل من أن دلالة اللفظ على المعنى طبعية ، إذ لا يظن بأحد الالتزام بظاهر ذلك مع ظهور وهنه باختلاف اللغات ، وتوقف فعلية الدلالة على العلم بمعنى اللفظ لغة ، وتبدل معنى اللفظ في اللغة الواحدة باختلاف الأزمنة. بل العلاقة المذكورة تابعة لأمرين :
الأول : كثرة الاستعمال في المعنى ولو بقرينة وعناية حتى يبلغ مرتبة تستغني إرادته منه عن العناية والقرينة ، ويصلح اللفظ لأداء المعنى بنفسه.
الثاني : تعيين اللفظ للمعنى ممن يتعارف قيامه به ومتابعته فيه ، كوليّ الطفل ، ومخترعي المفاهيم كأصحاب الفنون في مصطلحاتهم المتعلقة بفنونهم ونحوهم. وهو المسمى بالوضع التعييني ، في قبال الأول الذي يطلق عليه الوضع التعيني ، لاشتراكهما في الفائدة ، وهي العلاقة المصححة للاستعمال. وإلا فالوضع الذي هو من مقولة الفعل مختص بالتعييني ، وعمومه للتعيني يحتاج إلى عناية.
ثم إن الظاهر أن الوضع التعييني يتضمن جعل نسبة الاختصاص بين