أن تقول : كان سيري من البصرة ، يصح أن تقول : مبدأ سيري البصرة ، وكما تقول : سافر زيد ، تقول : تحقق من زيد السفر ، وتحقق سفر زيد ، وحقق زيد السفر ، وهكذا الحال في غيرها من المضامين. فلو لا أن النسب اعتبارية محضة لا تتقيد بواقع واحد لكان المناسب عدم الحكاية عن الواقع الواحد إلا بنسبة واحدة.
كما يناسب ذلك أيضا ما هو المشاهد بالوجدان من عدم تصور معاني الحروف والهيئات وعدم أدائها لمعانيها إلا في مقام الاستعمال في ضمن تركيب كلامي ، بخلاف الأسماء فإنها لما كانت مطابقة لواقع متقرر في نفسه أمكن تصور مسمياتها والحكاية بها عنها وإن لم تكن في ضمن تركيب كلامي.
وبذلك تكون الحروف وما ألحق بها أدوات للربط في مقام اللحاظ والبيان بين المفاهيم الاسمية المستقلة المتفرقة.
ولعل هذا هو منشأ الآلية التي ادعيت للحروف والهيئات تبعا للفارق الارتكازي بينها وبين الأسماء ، فيراد أنها آلات لإيجاد معان لا استقلال لها بأنفسها ، بل هي قائمة بغيرها ولا تلحظ إلا في ظرف تصوره في مقام البيان والإتيان بالتركيب الكلامي. وإلا خفي وجه كون المعنى الذي له تقرر مفهومي في نفسه آليا لا يتصور ولا يؤدى إلا في ضمن الكلام مع ما هو المعلوم من سعة الذهن في مقام اللحاظ والتصور.
نعم ، قيل في الآلية غير ذلك. لكن يضيق الوقت عن التعرض له وتعقيبه.
وبذلك يتعين كون معاني الحروف مطلقا جزئية ، لأن الإيجاد لا يكون إلا للجزئي ، غايته أن الواقع الخارجي الذي قد تساق لبيانه ويكون مصححا لانتزاعها عند أهل اللسان قد يكون كليا ، كما في القضايا الاستقبالية والطلبية