الثاني : صحة الحمل وعدم صحة السلب. فقد ذكروا أن حمل اللفظ بما له من المعنى على شيء وعدم صحة سلبه عنه علامة على كونه حقيقة فيه.
كما أن صحة سلبه عنه وعدم صحة حمله علامة على عدم كونه حقيقة فيه ، بل لو استعمل فيه كان مجازا.
وتوضيح ذلك : أنه حيث كان مفاد الحمل بين الشيئين هو الاتحاد بينهما فلا بد فيه من جهة اتحاد بينهما ، ولا يصح مع الاختلاف بينهما من جميع الجهات ، كما أنه حيث كان حمل الشيء على نفسه مستهجنا ، لخلوه عن الفائدة فلا بد فيه من جهة اختلاف بينهما.
ومن هنا فالحمل عندهم قسمان :
أولهما : الحمل الأولي الذاتي. وملاكه الاتحاد بين طرفيه مفهوما مع التغاير بالاعتبار ، كالحمل بين المترادفين في مثل قولنا : القط هو الهر ، والحمل بين الحد التام والمحدود في مثل : الإنسان حيوان ناطق. والحيوان الناطق إنسان. وحينئذ إن صح سلب أحد المعنيين عن الآخر ولم يصح حمله عليه بالحمل الأولي الذاتي علم عدم وضع لفظ أحدهما للآخر وعدم كون استعماله فيه حقيقيا. وإن صح الحمل المذكور بين شيئين ولم يصح سلب أحدهما عن الآخر علم وضع لفظ أحدهما للآخر ، وكون استعماله فيه حقيقيا ، لأن مفاد الحمل وإن كان هو اتحاد المعنيين من دون نظر للفظ ، إلا أن لازم اتحاد المعنيين مفهوما كون اللفظ الموضوع لأحدهما موضوعا للآخر.
نعم ، لا بد من كون لفظ المحمول حقيقة في معناه المراد به حين الحمل ، ليستلزم كونه حقيقة في مطابقه الذي صح حمله عليه. وإليه يرجع ما سبق من تقييده بكون المحمول هو اللفظ بما له من المعنى ، فإن المراد به هو معناه الذي ينسب له ـ لكونه الموضوع له ـ لا معناه المراد به حين الحمل ولو مجازا.