وآخرون من اليهود لهم مأكلة على اليهود في كلّ سنة فكرهوا بطلانها بأمر النبيِّ (صلى الله عليه وآله) فحرّفوا لذلك آيات من التوراة فيها صفته وذكره فذلك الثمن الذي أريد في الآية»(١). وقد أطلقنا في مقالتنا هذه على هذه الرواية إسم «المأكلة»(٢)
__________________
(١) لقد روى هذه الرواية محمّد بن حسن الشيباني في القرن السابع في ثلاث مواضع من تفسيره (نهج البيان عن كشف معاني القرآن) باختلاف يسير وكان قد نقلها بالمضمون : «روي أنّ السبب في هذه الآية أنّ أحبار اليهود مثل حُيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وأمثالهما لهم مأكلة من اليهود على كتمان صفة محمّد (صلى الله عليه وآله) من التوراة ، فغيّروها وبدّلوها لئلاّ تنقطع مأكلتهم» (١/١٣١).
«روي عن أبي جعفر عليهالسلام : أنّ هذه الآية نزلت في أحبار اليهود وما غيّروه من صفة محمّد عليهالسلام والبشارة به ، ليجعلوا ذلك مأكلة لهم وطعمة من اليهود» (١/١٦٧).
«وقوله تعالى : (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) يعني : أحبار اليهود ، كانوا يعرفون محمّداً [ـ صلّى الله عليه وآله ـ] بصفته ونعته في التوراة ، فكتموا ذلك وغيّروه وبدّلوه ، فقالوا : يرسل إلى العرب خاصّة لئلاّ تبطل مأكلتهم من اليهود» (١/٢٢٢).
وسوف نبيّن فيما بعد بأنّ الشيباني كان كثيراً ما يستفيد من تفسيري (التبيان) و(مجمع البيان) وكذلك من تفسيري (مقاتل) و(الكلبي) وبناءً على ما أحصيناه فقد جاء في تفسير (نهج البيان) للشيباني قريبٌ من ألف قول نقلت جميعها بشكل مباشر من تفسيري (الكلبي) و(مقاتل).
(٢) إنّ بعض التفاسير المعاصرة التي جاءت باللغة الفارسية مثل تفسير آسان (١/١٠٧) ، تفسير نمونه (١/٢٠٦ ـ ٢٠٧) وتفسير كوثر (١/١٥٩) فسّرت كلمة المأكلة من هذه الروايات بمعنى الضيافة على مأدبة الطعام وهذا المعنى غير صحيح لأنّ المأكلة في اللغة العربية على أنّها مشتقّة من أكل لكن ليس لها هنا في سياق الكلام أي ارتباط مع الأكل ، قال الخليل بن أحمد في العين (٥/٤٠٩) : «المأكلة : ما جعل للإنسان لا