أن يوزّعها على الأمصار»(١). انتهى كلام أبي رَيّة.
قلت : إنّها حقّاً كانت موجودة خلف فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وقد تعهّد أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام بجمعها ، نزولاً عند رغبة الرسول (صلى الله عليه وآله) ووصيّته وأمره ، وقد جمعها عليهالسلام في ثلاثة أيّام. ولا داعي لإعادة جمعها تارة أخرى من قبل أبي بكر ، إذ شهد الزرقاني في مناهل العرفان وغيره بأنّ للنبيّ كتبة يكتبون القرآن من العسب واللخاف والرقاع ، ثمّ يوضع المكتوب في بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) (٢) ، فلو كان القرآن مكتوباً وموجوداً في بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) فما الداعي لإعادة تأليفه وجمعه من جديد؟
ولابن حجر تعليق على بعض روايات جمع القرآن في عهد أبي بكر ، مبيّناً الفرق بين الصحف والمصحف إذ قال : «والفرق بين الصُّحُف والمُصْحَف أنّ الصُّحُف : الأوراق المجرّدة الّتي جمع فيها القرآن في عهد أبي بكر ، وكانت سُوَراً مُفرّقةً ، كلّ سورة مرتّبةً بآياتها على حدة ، لكن لم يرتّب بعضها إثر بعض ، فلمّا نسخت ورتّب بعضها إثر بعض صارت مُصْحَفاً»(٣).
ومعنى كلامه بأنّ ترتيب وتأليف الأوراق والسور كانت تحت إشراف أبي بكر وزيد ، وكلّهم يعرفون جيّداً بأنّ زيداً ورفاقه لا يمكنهم أن يرتّبوا الآيات وفق رأيهم بل أن ترتيب القرآن يجب أن يكون تحت نظر رسول الله
__________________
(١) أضواء على السنة المحمدية : ٢٥٢.
(٢) مناهل العرفان : ١٧٨.
(٣) فتح الباري ٩ / ١٦.