وقالوا : إن قوله (كهيعص) (١) [مريم : الآية ١] «كاف هاد عالم صادق» فأظهر من كل اسم منها حرفا ليستدل به عليها. فهذا يدل على أن الوجه الأول لا يكون إلا وله معنى ، لأنه يريد معنى الحروف. ولم ينصبوا من هذه الحروف شيئا غير ما ذكرت لك ، لأن (الم) [الآية ١] و (طسم) (١) [الشّعراء : الآية ١] و (كهيعص) (١) [مريم : الآية ١] ليست مثل شيء من الأسماء ، وإنما هي حروف مقطعة.
وقال : (الم) [الآية ١] (الله لا إله إلّا هو) [البقرة : الآية ٢٥٥] فالميم مفتوحة لأنها لقيها حرف ساكن فلم يكن من حركتها بد. فإن قيل : «فهلا حركت بالجر»؟ فإن هذا لا يلزم فيها وإنما أرادوا الحركة ، فإذا حركوها بأي حركة كانت فقد وصلوا إلى الكلام بها ، ولو كانت كسرت لجاز ولا أعلمها إلا لغة.
وقال بعضهم : «فتحوا الحروف التي للهجاء إذا لقيها الساكن ليفصلوا بينها وبين غيرها». وقالوا : «من الرجل» ففتحوا لاجتماع الساكنين. ويقولون : «هل الرجل» و «بل الرجل» وليس بين هذين وبين «من الرجل» فرق ، إلا أنهم قد فتحوا «من الرجل» لئلا تجتمع كسرتان ، وكسروا (إذ الظّلمون) [الأنعام : الآية ٩٣]. وقد اجتمعت كسرتان لأن «من» أكثر استعمالا في كلامهم من «إذ» ، فأدخلوها الفتح ليخف عليهم. وإن شئت قلت «ألم» حروف منفصل بعضها من بعض ، لأنه ليس فيها حرف عطف ، وهي أيضا منفصلة مما بعدها ، فالأصل فيها أن تقول «الم الله» فتقطع ألف «الله» إذا كان ما قبله منفصلا منه كما قلت «واحد ، إثنان» فقطعت. وكما قرأ القراء (نون والقلم) [القلم : ١] فبينوا النون لأنها منفصلة. ولو كانت غير منفصلة لم تبين إلا أن يلقاها أحد الحروف الستة. ألا ترى أنك تقول : «خذه من زيد» و «خذه من عمرو» فتبين النون في «عمرو» ولا تبين في «زيد». فلما كانت ميم ساكنة وبعدها حرف مقطوع مفتوح جاز أن تحرك الميم بفتحة الألف وتحذف الألف في لغة من قال «من ابوك» فلا تقطع. وقد جعل قوم (نون) بمنزلة المدرج فقالوا «نون والقلم» فأثبتوا النون ولم يبينوها. وقالوا (يس والقرآن) [يس : ١ ـ ٢] فلم يبينوا أيضا. وليست هذه النون هاهنا بمنزلة قوله (كهيعص) (١) [مريم : الآية ١] و (طس تلك) [النّمل : الآية ١] و (حم عسق) [الشورى : ١] فهذه النونات لا تبين في القراءة في قراءة أحد ، لأن النون قريبة من الصاد ، لأن الصاد والنون من مخرج طرف اللسان. وكذلك التاء والسين في (طس تلك) [النّمل : الآية ١] وفي (حم عسق) [الشورى : ١] ، فلذلك لم تبين النون إذ قربن منها. وتبينت النون في