وقوله (وإذا لقوا الّذينءامنوا قالواءامنّا) [الآية ١٤] فأذهب الواو لأنه كان حرفا ساكنا لقي اللام وهي ساكنة فذهبت لسكونه ولم تحتج إلى حركته لأن فيما بقي دليلا على الجمع. وكذلك كل واو ما قبلها مضموما من هذا النحو. فإذا كان ما قبلها مفتوحا لم يكن بد من حركة الواو لأنك لو ألقيتها لم تستدل على المعنى نحو (اشتروا الضّللة) [الآية ١٦] وحركت الواو بالضم لأنك لو قلت «اشتر الضلالة» فألقيت الواو لم تعرف أنه جمع ، وإنما حركتها بالضم لأن الحرف الذي ذهب من الكلمة مضموم ، فصار يقوم مقامه. وقد قرأ قوم وهي لغة لبعض العرب «اشتروا الضلالة» لما وجدوا حرفا ساكنا قد لقي ساكنا كسروا كما يكسرون في غير هذا الموضع ، وهي لغة شاذة.
وأما قوله (وإذا خلوا إلى شيطينهم) [الآية ١٤] فإنك تقول : «خلوت إلى فلان في حاجة» كما تقول : «خلوت بفلان» إلّا أنّ «خلوت بفلان» له معنيان : أحدهما هذا والآخر سخرت به. وتكون «إلى» في موضع «مع» نحو (من أنصارى إلى الله) [آل عمران : الآية ٥٢] كما كانت «من» في معنى «على» في قوله (ونصرنه من القوم) [الأنبياء : الآية ٧٧] أي : على القوم ، وكما كانت الباء في معنى «على» في قوله «مررت به» و «مررت عليه». وفي كتاب الله عزوجل (مّن إن تأمنه بدينار) [آل عمران : الآية ٧٥] يقول «على دينار». وكما كانت «في» في معنى «على» نحو (فى جذوع النّخل) [طه : الآية ٧١] يقول : «على جذوع النخل». وزعم يونس (١) أن العرب تقول : «نزلت في أبيك» تريد «عليه» وتقول : «ظفرت عليه» أي «به» و «رضيت عليه» أي «عنه». قال الشاعر : [الوافر]
٢٤ ـ إذا رضيت عليّ بنو قشير |
|
لعمر الله أعجبني رضاها (٢) |
__________________
(١) يونس : هو أبو عبد الرحمن يونس بن حبيب البصري الأديب النحوي ، ولد سنة ٩٤ ه ، وتوفي سنة ١٨٣ ه ، له من المصنفات : «كتاب الأمثال» ، «كتاب اللغات» ، «كتاب النوادر الصغير» ، «كتاب النوادر الكبير» ، «معاني الشعر» ، «معاني القرآن» (كشف الظنون ٦ / ٥٧١ ، وانظر ترجمته في أخبار النحويين ص ٢٧ ، ومراتب النحويين ٢١ ، وطبقات النحويين ٥١ ، وإنباه الرواة ٤ / ٦٨ ، وبغية الوعاة ٤٢٦).
(٢) البيت للقحيف العقيلي في أدب الكاتب ص ٥٠٧ ، والأزهية ص ٢٧٧ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٣٢ ، ١٣٣ ، والدرر ٤ / ١٣٥ ، وشرح التصريح ٢ / ١٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٤١٦ ، ولسان العرب (رضي) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٨٢ ، ونوادر أبي زيد ص ١٧٦ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ١١٨ ، والإنصاف ٢ / ٦٣٠ ، وأوضح المسالك ٣ / ٤١ ، وجمهرة اللغة ص ١٣١٤ ، والجنى الداني ص ٤٧٧ ، والخصائص ٢ / ٣١١ ، ٣٨٩ ، ورصف المباني ص ٣٧٢ ، وشرح ـ