وان ألفاظها تعم وتشمل الصحيح وغيره عند طائفة من العلماء ، وعلى قولهم جاز التمسك بالاطلاق ، وتقدم التفصيل. أما المعاملات فلا جديد للشارع فيها ، بل هي باقية على معانيها القديمة ، والشارع أمضى وأقر الناس في معاملاتهم مع بعض التقليم والتطعيم.
ومعنى هذا ان كل ما هو سبب عند العرف للملك أو الإسقاط أو الالتزام ونحو ذلك فهو أيضا سبب عند الشارع إلا ما خرج بالدليل كبيع الملامسة والمنابذة. ومن الأدلة على ان الشارع أمضى الأسباب العرفية قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ـ ١ المائدة» أي اعملوا بموجب كل ما يراه الناس عقدا ، والتزموا بآثاره ، وقريب من هذه الآية قوله تعالى : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ) ـ ١٨١ البقرة».
ومن هنا اتفق العلماء قديما وحديثا على مبدأ عام هو أن التعيين بالعرف تماما كالتعيين بالنص في الموضوعات العرفية وآثارها إلا ما خرج ، وفرعوا على هذا المبدأ ان أي لفظ تكلم به راشد مختار ، وصدق عليه عرفا العنوان الذي تعلق به حكم شرعي ـ فعليه طاعته والالتزام به ، واذا شككنا في قيد زائد عما صدقت عليه التسمية أخذنا بإطلاق الاسم ، ونفينا الزائد.
وعليه فالنزاع الجاري في العبادات من أن ألفاظها اسام للصحيح أو للأعم ، هذا النزاع لا يجري بحال في المعاملات ، لأن المدرك الوحيد للتمسك بإطلاقها هو التسمية العرفية ، فإن وجدت تحقق موضوع الاطلاق ، وأخذ به بالاتفاق لنفي الزائد ، وان فقدت التسمية فلا موضوع للاطلاق من الأساس حتى نتمسك به.
وقد يقول قائل : أجل ، ان هذا النزاع لا يجري في المعاملات اذا كان في الصحة الشرعية ، وهل هي جزء من معنى لفظ المعاملة أو ليست بجزء؟ إذ المفروض انه لا حقيقة شرعية ولا متشرعية في المعاملات ، أما اذا جعلنا النزاع في الصحة العرفية ، وهل هي جزء من المعنى العرفي أو غير جزء ـ فإن النزاع يجري يقينا في المعاملات حيث تتحقق التسمية العرفية على القول بالأعم ، وحينئذ نتمسك بالاطلاق ، ولا تتحقق التسمية على القول بالصحيح فقط فلا إطلاق تماما كما هي الحال في العبادات.