٢ ـ قال سبحانه : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) ـ ٦ المائدة». وليس من شك ان إرادة التطهير منه تعالى لعباده هي عين إرادة الإيمان وكراهية الكفر ، والى هذا يومئ قوله : (لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) حيث لا نعمة إطلاقا توازي نعمة الإيمان. وأيضا قال سبحانه : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) ـ ٧ الزمر» .. (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) ـ ٣١ غافر». واذا عطفنا على هذه الآيات وأمثالها ، عطفنا عليها الآيات الآمرة بالإيمان الناهية عن الكفر ـ تبين لنا جليا ان إرادته لا تنفصل عن طلبه أمرا ونهيا.
أما القول بأن الله لو أراد الإيمان من المعاند المتمرد لكان سبحانه مغلوبا على أمره ، لأنه لم يبلغ ما أراد ، أما هذا القول فجوابه ان لله إرادتين : إرادة الخلق والتكوين ، وهي التي يوجد المراد بمجرد وجودها ، ولا ينفصل عنها بحال ولا تحتاج الى كلام وصيغة حتى يقال : هل هي متحدة مع الطلب أو منفصلة عنه. والارادة الثانية إرادة التشريع ودعوة المكلف الى الطاعة والامتثال بإرادته واختياره. ولا بد لهذه الارادة من أمر ونهي ودعوة لعمل الخير والكف عن الشر بلا جبر وإكراه.
ومن قال باتحاد الطلب والارادة أو بالتلازم بينهما قصد إرادة الإرشاد والتشريع لا إرادة الخلق والتكوين. وليس من شك ان إرادة التشريع والدعوة لا تستلزم المراد إلا اذا اختار المكلف ، لأن المأمور به أو المنهي عنه مشروط بهذا الاختيار .. وأي عالم يشك في أن الله أمر بالمشروعات ونهى عن المحظورات بإرادة التشريع دون التكوين ، وان عليها وحدها مدار الابتلاء والمثوبة والعقوبة. قال سبحانه : (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ـ الكهف». وفي نهج البلاغة : «إن الله يختبرهم .. وان كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب والعقاب».