٢ ـ من تتبع النصوص الشرعية كثيرا ما يرى صيغة افعل مستعملة في الندب حتى ظن كثيرون أنها موضوعة للقدر المشترك بينه وبين الوجوب ، ولم يرد لفظ الأمر للندب في هذه النصوص ، أو ورد نادرا. ومن هنا جرى البحث في كل على حدة.
العرف وصيغة افعل
في كتاب (جمع الجوامع وشرحه) ان صيغة افعل ترد لستة وعشرين معنى ، وذكرها كاملة مع التمثيل لكل معنى ، من ذلك الوجوب : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) ، والندب : (فَكاتِبُوهُمْ) ، والامتنان : (كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ) ، والإكرام : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ) ، والتعجيز : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) ، والامتهان : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) الخ .. ومن النظرة الأولى الى أكثر هذه المعاني ومواردها ـ نجد صيغة افعل مستعملة في غير مكانها الطبيعي ، وكفى بذلك دليلا على الخروج عن محل الكلام.
وفي تقريرات النائيني لتلميذه الخراساني أن صيغة افعل لم تستعمل إطلاقا في أي معنى من تلك المعاني حتى الوجوب ، ويتلخص دليله المطول بأن المادة في افعل موضوعة للحدث ، والهيئة للنسبة الانشائية ، ولا شيء وراء ذلك ـ مثلا ـ المادة في اضرب موضوعة للضرب ، والهيئة لنسبة الضرب الى الضارب ان شاء لا إخبارا ، فأين الوجوب والتهديد وما اليهما؟.
أجل ، ان انشاء النسبة يكون مرة بقصد الطلب ، وتارة بدافع الامتهان ، وحينا بداعي التهديد ، الى آخر ال ٢٦ معنى. وليس معنى هذا ان كلمة افعل بمادتها أو بهيئتها أو بهما معا ـ موضوعة أو مستعملة في شيء من هذه المعاني ، كلا بل مستعملة في معنى واحد فقط ، وهو انشاء النسبة ، كما أشرنا. وبعد ثلاث صفحات قال المقرر ما معناه : نعم ، اذا أنشأ الشارع أو المولى نسبة الفعل الى الفاعل مريدا بعثه وتحريكه نحو الفعل ، اذا كان الأمر كذلك حكم العقل بوجوب الطاعة ، وعليه يكون الوجوب بحكم العقل لا بدلالة اللفظ.
وقد يكون هذا القول مسموعا من جانب النقاش النظري ، أما من الجانب العملي فلا جدوى منه ، ولا يسوغ الركون اليه في محل النزاع والخلاف ، وهو كما حرره الأصوليون ، ما ذا يفهم أهل العرف من صيغة افعل اذا تجردت عن