كل القرائن؟ وليس من شك ان النسبة والناسب والمنسوب أبعد الأشياء عن إفهامهم ، وانهم لا يفهمون من افعل إلا وجوب الفعل ، وعليه استقر رأي الجمهور قولا وعملا للأسباب التالية :
١ ـ كل الناس يفهمون ويعلمون ان البدوي اذا قال لولده : اعقل الناقة فإنه لا يرضى عنه إلا اذا صدع بالأمر ، ونفس الشيء اذا قال الحضري لسائق سيارته : ضعها في المرأب ، ويرون الولد أو السائق عاصيا يستحق الذم اذا هو هو ترك وأهمل ، ولا تنفعه المعذرة بأن صيغة افعل لوحدها وبلا قرينة لا تدل على الإلزام والوجوب.
٢ ـ إن الفقهاء قديما وحديثا يستدلون على وجوب الفعل بصيغة افعل في كتبهم وحوارهم واحتجاجهم بلا تردد وتوقف ، لأن دلالتها على الوجوب عندهم من المسلّمات الأولية حتى عند من ناقش في الأصول وأشكل.
٣ ـ ذم سبحانه من خالف الأمر بصيغة افعل ، ولا ذم بلا وجوب. من ذلك قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) ـ ٤٨ المرسلات». وقوله : (ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ) ـ ٣٨ التوبة».
وبعد ، فلا مبرر لتكثير الكلام في صيغة افعل ودلالتها ، لأن هذا الموضوع لفظي بحت يعتمد على إفهام العرف لا على الدقة العقلية ، والتجليات العلوية. وغرضنا من الاشارة الى القول بالنسبة الانشائية هو مجرد توضيح الفكرة التي ركّز عليها المرزا النائيني في تقريراته ، ومن قبله الشيخ التقي في حاشيته على المعالم.
وتسأل : لقد استعمل الشارع صيغة افعل في الوجوب والندب معا كقوله : «اغتسل للجنابة والجمعة» فالغسل الأول واجب والثاني مستحب ، ومعنى هذا أن الصيغة موضوعة للقدر المشترك بين الوجوب والندب ، وليس للوجوب وحده كما قلت.
الجواب :
ان مجرد الاستعمال لا يدل على الحقيقة لأنه أعم منها ومن المجاز. أما القول بأن الأصل في الاستعمال الحقيقة فقد أصبح في خبر كان ، وحلّ مكانه أصل الحقيقة في تعيين المراد دون الوضع. وتقدم الكلام عن ذلك.