ينصرف عن الوجوب الى الاذن والرخصة بالفعل والترك؟ وهذا النزاع لا يشمل القائلين بأن الأمر لا يدل على الوجوب ، لأن الاذن بالترك لا ينفصل عن الأمر إطلاقا ـ كما هو الفرض ـ تقدم عليه نهي ، أم لم يتقدم. وفيما يلي نحرر النزاع بين القائلين بدلالة الأمر على الوجوب بكلام أكثر وأوضح.
ورد في النصوص الشرعية نهي بعده أمر ، والمأمور به ـ عين المنهي عنه. من ذلك ـ على سبيل التمثيل ـ ما رواه مسلم في صحيحه : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها» فصيغة افعل وهي هنا «زوروها» تدل على الوجوب اذا كانت غير مسبوقة بنهي فهل هي أيضا تدل عليه اذا سبقت به بحيث يصبح الحرام واجبا ، أو ان صيغة الأمر تنصرف عن الوجوب ، في مثل هذه الحال ، الى الرخصة والتخيير بين الفعل والترك بحيث يصير المنهي عنه جائزا لا واجبا؟.
قيل ببقاء دلالة الأمر على ما هي ، وذلك بأننا نعلم يقينا ان الأمر يدل على الوجوب في حال عدم تقدم النهي ، وبعد تقدمه شككنا هل هذا النهي صرف الأمر عن ظاهره الى الرخصة ، أم بقي هذا الظاهر كما كان وان وجود النهي وعدمه سواء؟ وبديهي ان الأصل في مثل هذه الحال يوجب بقاء ما كان على ما كان ، لأن اليقين لا ينقض بالشك.
وقيل بالتوقف عن الحكم سلبا وايجابا ، لأن الأمر هنا مردد بين الرخصة والوجوب ، ولا حكم مع الشك والتردد.
وذهب الأكثر ـ كما قيل ـ الى الرخصة ورفع الحجر ، لأن الغالب في عرف الشارع أن يستعمل الأمر بعد الحظر لمجرد الإذن ورفع الحجر ، واستشهدوا على ذلك بالعديد من الآيات ، منها قوله تعالى : (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) بعد قوله : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) ـ ١٠ الجمعة». وقوله سبحانه بعد المنع عن الصيد : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) ـ ٢ المائدة». وقوله : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) بعد قوله : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) ـ ٢٢٢ البقرة» .. الى غير ذلك كثير. وهذه الكثرة في الاستعمال قرينة على صرف الأمر عن الوجوب الى الرخصة ورفع الحجر.
وكررنا القول فيما تقدم : إن مجرد الاستعمال لا يغني شيئا في باب الحقيقة ، بالاضافة الى ان هذه الآيات خارجة عن موضوع البحث من الأساس ، أما الآية الأولى فلأن البيع حلال بطبعه كما في الآية ٢٧٥ من سورة البقرة (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)