يطلب شيئا تنحصر مقدمات وجوده بالحرام إلا في ظروف استثنائية يتغلب فيها الأهم على المهم. ويأتي الكلام عن ذلك في محله ان شاء الله تعالى. وتجدر الإشارة الى أن السبب الموجب لذكر هذه المسائل الثلاث هنا هو أن بعض الأعلام ذكرها في تقريراته بكلام طويل ومطلسم ، فآثرنا ذكرها عسى أن نلقي بعض الأضواء على ما أراد ، بالإضافة الى أنها لا تخلو من الفائدة.
الأمر لا يقتضي التوصل ولا التعبد
كل ما ثبت وجوبه بدليل لفظي فالأصل فيه ـ بضميمة مقدمات الحكمة ـ الاطلاق حتى يثبت العكس ، ولكن بشرط أساسي وهو أن يكون تقييد الواجب ممكنا ، لأن الإطلاق لا يمكن إلا حيث يمكن التقييد ـ مثلا ـ إذا قال لك الشارع : أكرم الجار ، ثم شككت هل أراد الجار الصالح بالخصوص ، أو كل جار برا كان أم فاجرا ـ جاز لك في مثل هذه الحال أن تأخذ بظاهر الأمر وإطلاقه الشامل لكل جار دون استثناء ، لأن تقييد الجار بالصالح أو الطالح ممكن ، وتقسيمه اليهما جائز.
أما إذا شككت في أن الشارع هل أوجب عليك الإكرام بقصد الطاعة وامتثال الأمر ، أو أوجبه مطلقا أيا كان الدافع والقصد ، أما إذا كان الشك كذلك فلا إطلاق للأمر من هذه الجهة كي تعتمد عليه وتأخذ به ، لأنه قبل ورود الأمر لا واجب حتى تقصد امتثال أمره ، وبعد ورود الأمر يوجد الواجب مجردا عن قصد الامتثال.
وان قال قائل : نقصد امتثال الأمر المتعلق بالواجب من حيث هو لا من حيث كونه مأمورا به ـ قلنا في جوابه : أولا هذا خلاف الفرض لأن الفعل من حيث هو لا يتصف بالوجوب. ثانيا : ان الأمر لا يثبت بنفسه وجوب قصده وإلا كان أمرا ومأمورا به ، واجبا ووجوبا في آن واحد! كيف ورتبة المأمور به متقدمة على الأمر وهو متأخر عنه ، والشيء الواحد لا يتقدم على نفسه أو يتأخر للزوم الدور المحال.
وإذن فلا سبيل للشارع ان أراد من المكلف أن يفعل المأمور به بقصد الامتثال