ممّا استعملت فيه مادّة الأمر غفلة نشأت في اشتباه المصداق بالمفهوم ، ضرورة أن الصّيغة لم تستعمل في شىء من هذه المعاني من التّمنّي أو التّرجّى أو الإهانة أو غيرها ، بل استعملت في معناها الحقيقي وهو إنشاء الطّلب الخارجي الايقاعي دون الطّلب الحقيقي فانّه غير قابل لأن ينشأ باللّفظ ، ولا شبهة في أنّ الطّلب إنّما ينشأ بمجرد التّلفظ بالصّيغة مطلقا ، غاية الأمر أن الدّاعي عليه يختلف ، فقد يكون هو البعث والتّحريك نحو الفعل المطلوب ، كما أن الداعي على النّهي أيضا قد يكون الزّجر عنه فيما إذ ما كان أحدهما ناشئا من الطّلب الحقيقى المتعلق بوجوده أو تركه ، وقد يكون الدّاعي عليه أحد هذه المعاني فتصير الصّيغة بمدلولها الحقيقى وهو الطّلب الانشائي مصداقا مثل التّمني أو التّرجي أو الاهانة أو التّهديد أو غيرها من المعاني ، فتصير الصّيغة مستعملة فيها ، نعم لو ادعى أنّ الصّيغة إنّما وضعت لأن ينشأ بها الطّلب فيما إذا كان الدّاعي عليه البعث أو التّحريك لا داع آخر من هذا المعاني فهو مطلب آخر ولا نضايقه ، إلّا أنّ هذا أيضا يتصور على وجهين :
أحدهما : أنّ يكون بنحو التّقييد في ما وضعت له الصّيغة فلو استعملت في إنشاء الطّلب لداع آخر غير البعث أو التّحريك نحو المطلوب كانت مجازا بمعناه المصطلح عليه.
ثانيهما : أن يكون بنحو الغرض والدّاعي للواضع كما تقدم نظيره في وضع الحروف حيث قلنا بانّها لم توضع ولم تستعمل في معانيها مقيدة بلحاظ خصوصياتها أي بلحاظ كونها غير مستقلة في أنفسها بأن تكون خصوصياتها أيضا من الاجزاء أو قيود للموضوع لها أو المستعمل فيها ، بل إنّما وضعت لان يستعمل ويراد بها معانيها حال كونها غير مستقلة في أنفسها لا مع لحاظ كونها