الطرفة الخامسة والعشرون
في عدم حجّية الأمارات الدّالّة على تفسير الآيات
غير المرتبطة بالأحكام الشرعية العملية
لا شبهة في عدم حجّيّة الأمارات الشرعيّة في مورد ليس له بنفسه أو بتوسّط اللوازم العقليّة أو العاديّة حكم شرعيّ عمليّ ، حيث إنّ الحجّيّة إمّا عبارة عن حكم شرعيّ تكليفيّ طريقيّ بترتيب الأحكام العمليّة الواقعيّة على مؤدّى الأمارة الدّالّة عليها أو على وجود موضوعها عند جهل المكلّف بها أو بموضوعها ، أو حكم وضعيّ وجعل إنشائيّ ممّن له الحكم.
والجعل يكون منشأ لاعتبار عقلائي يستتبع الآثار العقليّة من تنجيز الأحكام الشرعيّه الواقعيّة التي تكون مؤدّاها أو العقلائيّة كذلك ولو بالوسائط العقليّة أو العاديّة عند الإصابة والعذر عند الخطأ والموافقة والتجرّي عند المخالفة ، فلا يتصوّر تحقّق مفهوم الحجّيّة وجعلها إلّا لأمارة كان مؤدّاها حكما عمليا ، أو موضوعا (١) ذا حكم ولو بواسطة امور غير شرعيّة ، فلا معنى لحجّيّة الأخبار غير العمليّة الواردة في بيان شأن نزول الآيات أو تفسيرها أو بطونها وتأويلها إذا لم يترتّب عليها حكم شرعيّ ولم يكن لها دخل في فهم الآيات الدّالّة على الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة ، ولا يجوز ترتيب أثر العلم على تلك الأمارات المجعولة.
ولو كان العلم مأخوذا فيها على جهة الكشف والطريقيّة ، فعلى المكلّف أن يرتّب على الأمارات آثار المعلوم ، لا آثار العلم ، فعلى هذا لا يجوز الإخبار بتحقّق مؤدّاها لأنّ جواز الإخبار بالواقع من آثار العلم به لا من آثار نفسه ، فإنّ دليل الحجّيّة لا يفي بإثبات آثار العلم للأمارة ، وإنّما يثبت لها أثر الكشف عن الواقع الذي للعلم ، إلّا أن يقوم دليل غير دليل الحجّيّة على جواز ترتيب أثر العلم على الأمارة.
فعلى هذا لا يجوز الارتماس في الماء للصائم ، ولا يجوز الإخبار بأنّ الارتماس مبطل للصّوم في حكم الله الواقعي ، لأنّه كذب على الله وعلى رسوله إذا كان الكذب هو الإخبار بشيء لا يعلم به.
نعم ، له أن يقول : رأيي ، أو رأي مقلّدي عدم جواز الارتماس حال الصّوم ، أو يقول : مقتضى الأخبار كذا ، إلّا أن يقال : إنّ أقوى دليل حجّيّة الروايات هو بناء العقلاء وسيرتهم على العمل بالخبر الموثوق
__________________
(١) في النسخة : حكم عمليّ أو موضوع.