فيجوزهم كلّهم ، حتّى إذا انتهى إلى المرسلين ، فيقولون : هذا القرآن ، فيجوزهم ثمّ ينتهي حتّى يقف عن يمين العرش ، فيقول الجبّار : وعزّتي وجلالي ، وارتفاع مكاني لاكرمنّ اليوم من أكرمك ، ولأهيننّ من أهانك » (١) .
أقول : قد وردت أخبار كثيرة في تمثّل القرآن يوم القيامة بأحسن صورة (٢) .
وقال بعض المحقّقين : إنّ للقرآن وجودا كتبيّا بين الدّفّتين ، ووجودا لفظيّا للقارئ منّا ومن المعصومين عليهمالسلام ، بل يمكن أن يقال : من الملائكة كجبرئيل عليهالسلام ، ووجودا علميّا في لوح النّفس مكتسبا من المرتبتين الاوليين ، ووجودا علميّا من إلقاء الرّوح الذي من عالم الأمر إيّاه في القلب بأمر الله سبحانه ، كما لعلّه يرشد إليه قوله تعالى : ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾(٣) أو من انتقاش الألفاظ الغيبيّة في لوح القلب عند مواجهته لها ومقابلته إيّاها ، ولعلّه يؤمى إليه قوله تعالى : ﴿بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾(٤) ، ووجودا عينيا كتبيّا في لوح غيبيّ هو المبدأ لهذه النّقوش الواقعة في لوح القلب ، وبه يصير القلب مصحفا لوجه أوراقه ، وتلك النّقوش كتابته ، ولعلّ إليه الإشارة بقوله تعالى : ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ* لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾(٥) ووجودا لفظيّا عينيّا هو كلام الله سبحانه الذي أوجده وأسمعه من شاء من عباده من الملك والنبيّ ، ولعلّ إليه الإشارة بقوله تعالى : ﴿اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾(٦) ووجودا إجماليّا قبل التفصيل ، ولعلّ إليه الإشارة بقوله تعالى : ﴿كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾(٧) .
وهو الأصل ، والباقي تنزّلاته ومراتبه وشؤونه ، كأصل الشجرة بالنّسبة إلى ساقها واغصانها ، ولعلّ إلى هذه المقامات الإشارة بإطلاق الإنزال والتّنزيل على القرآن في مواضع كثيرة.
ثمّ إنّ لنا صعودا أيضا ، فإنّ القرآن اللفظيّ الصادر منّا ، يتمثّل بمثال ويتشكّل بصورة جوهري في عالم أرفع من هذا العالم على ما تحقّق وثبت في محلّه بالآيات والأخبار الكثيرة الواردة في الموارد الكثيرة ، المعتضدة بالاستبصارات العقليّة وغيرها من أنّ الأعمال الحسنة والسيّئة تتجسّم وتتمثّل وتبقى في عالم البرزخ مع الميّت ، وقراءة القرآن منها بل من اولى أفرادها بهذا الحكم ، وكتابة القرآن أيضا عمل يتجسّم كذلك ، فيتحقّق في القرآن قوسان : قوس نزول ينتهي إلى وجوده اللّفظيّ والكتبيّ
__________________
(١) الكافي ٢ : ٤٤٠ / ١٤.
(٢) راجع الكافي ٢ : ٤٣٩ / ١١.
(٣) الشعراء : ٢٦ / ١٩٣ و١٩٤.
(٤) العنكبوت : ٢٩ / ٤٩.
(٥) الواقعة : ٥٦ / ٧٧ - ٧٩.
(٦) الزمر : ٣٩ / ٢٣.
(٧) هود : ١١ / ١.