الواقع في هذه النشأة ، وقوس صعود واقع في عالم البرزخ ، كما هو الحال في حقيقة الإنسان.
ثمّ إنّ حقيقة القرآن ليست مقصورة على عالم الألفاظ والنّقوش الواقعة في عالم الملك والملكوت ، بل مداليل الكلمات القرآنيّة أولى بالدخول في حقيقة القرآن منها ، ولها وجود في عالمها ، فهي أيضا يصحّ أن تعدّ مقاما آخر له ، ومراتبه المعنويّة تنتهي إلى حقيقة الاسم الالهي الذي هو المبدأ للقرآن ، ويشبه أن يكون هو حقيقة اسم الهادي والنّور الذي ربّما أطلق اسمه على القرآن في مواضع.
ثمّ إنّ عالم القيامة الكبرى لمّا كان يوم الجمع بين العوالم ، ويوم إبلاء السّرائر ، وإظهار المكنونات ، وإبراز الامور الغيبيّة بصور حسّيّة مطابقة لها حتّى تتوافق النّشآت والعوالم لينبئهم بما عملوا ، ولتبلى كلّ نفس ما كسبت ، ويحصد كلّ زارع ما زرع ، والزرع تابع للبذر ، لزمه أن (١) ينزّل القرآن من عالم الغيب إلى ظاهر عالم القيامة مصورا بصورة حسنة حتّى يوافق حسنه المعنويّ ، لأنّه أحسن ما يكون ، وله بهاء وجمال ونور حسّيّ ، كما أنّ هذه الصّفات اليوم في عالم الغيب على وجه غيبيّ ، فإنّ الدنيا بمنزلة الامّ للآخرة.
ثمّ إنّه لا بدّ وأن يمرّ على صفوف المؤمنين كما يمرّ على قلوبهم ونفوسهم في دار الدنيا ليطابق الظاهر الباطن ، والقالب الروح ، والصورة المعنى ، مبتدئا المرور من الأدنى إلى الأعلى ، لأنّه سالك في الاستكمال متوجّه إلى ربّ العزّة ، فيلزمه الكون مع النّازل قبل الكون مع الكامل ، وأن يكون مع كلّ صنف منهم بصورة ذلك الصّنف ، لأنّه عند كلّ منهم واقع في مرتبتهم بزيادة بهاء وجمال ونور ، لعدم مخالطته بما يضادّ هذه الصّفات من ظلمة وكدورة ، ولأنّهم لا يدركون منه إلّا المقدار الذي كان لهم في الدنيا ، ومنه الشأن المتعلّق بصفتهم ومقامهم وحالهم ، كما أنّ كلّا منهم حال قراءته للقرآن يشاهد المعنى الموافق لمقامه من الظاهر والباطن وباطن الباطن.
وإن كان الكامل مشتملا على الناقص فلا بدّ وأن يظنّ كلّ صنف منهم أنّه منهم كما كانوا يظنّون في الدنيا أنّه بيان طريقتهم وصفة حالهم ، وأن يعرفه كلّ منهم بنعته وصفته عند المواجهة ، كما كان يعرف ذلك المقدار في دار الدّنيا من القرآن ومعانية ، إذ القدر الظاهر منه في كلّ مقام يساوي ذلك المقام.
ولو لم يعرف أهل الصّنف ذلك القدر الظاهر ، لم يكونوا من أهل ذلك المقام ، إلى أن ينتهي إلى
__________________
(١) في النسخة : مصوّرة.