في تفسير الاستعاذة
فها أنا أشرع في المقصود ، مستمدا من الله الودود ، مبتدءا بالاستعاذة وتفسيرها ، امتثالا لأمر الله الأكيد عند الشروع في كلّ أمر ، سيّما القرآن المجيد.
فأقول وأنا العبد الأثيم محمّد بن المحقّق النحرير عبد الرّحيم النّهاوندي عاملهما الله بلطفه العميم ، وإحسانه القديم :
أعوذ بالله السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم
عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه : « ( أعوذ بالله ) أمتنع بالله ( السّميع ) لمقال الأخيار والأشرار ، ولكلّ المسموعات من الإعلان والإسرار ( العليم ) بأفعال الأبرار والفجّار ، وبكلّ شيء ممّا كان وما يكون وما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون ( من الشّيطان الرجيم ) البعيد من كلّ خير المرجوم باللّعن والمطرود من بقاع الخير » (١)
أقول : الظاهر أنّ تفسير كلمة ( أعوذ ) بأمتنع تفسير باللازم ، حيث إنّ صيغة أعوذ مشتقّة من العوذ ، وله في اللغة معنيان : الالتجاء ، والالتصاق ، وعليه يكون المعنى : ألتجىء بالله ، وألوذ بحصنه وعصمته ، أو ألتصق بفضل الله ورحمته ، فيحصل بهذا الالتجاء والالتصاق التحفظ والامتناع من وساوس الشيطان المانع من كلّ خير ، المطرود من بقاعه ومحالّه ؛ من الجنّة ، ومقام القرب ، وساحة الفضل والرحمة. وذكر اسم الجلالة هنا لاقتضاء المقام إظهار عظمة المستعاذ به وقدرته وسطوته ، وتوصيفه باسم السّميع العليم بلحاظ أنّ للمستعيذ إلتجاء قوليّ وقلبيّ ، إذ حقيقة الاستعاذة والالتجاء لا تحصل للعبد إلّا بعد أن يرى العدوّ - وهو الشّيطان - قويا قادرا على إضراره ، ونفسه في غاية العجز عن دفع شرّه ، ويعلم أنّ الله قادر على دفع كلّ شرّ ، مانع من كلّ ضرّ ، مجير لمن استجار به ، مأوى لمن التجأ اليه ، مجيب لمن دعاه ، رحيم بمن ناداه ، كريم لمن قصده وسأله ، جواد لمن رجاه وأمّله ، عند ذلك
__________________
(١) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ١٦ / ٣.