الأراضي ، كما أنّ لأرضنا هذه قمرا يخصّها ، وأنّ لكلّ كوكب من الكواكب الثابتة شمسا كشمسنا هذه في فضاء غير متناه مع اختلافها في القرب من شمسنا والبعد منها ، وكلّما كان أبعد كان جرمه في أبصارنا أصغر ، فاستظهروا من ذلك أنّ لكلّ كوكب منها أراضي كالأراضي التي لشمسنا هذه ، وحينئذ تكون الأراضي خارجة عن حدّ الإحصاء ، والله تعالى ربّ جميعها.
فظهر أنّ معنى هذه الكلمة وحقيقتها شامل لجميع الموجودات ، محيط بها ، معط لكمالها ، ولكون مرتبة هذا الاسم المبارك تحت مرتبة اسم الجلالة ، لكونه مظهر الآثار الالوهيّة ، قرنه به في الآية وأخّره عنه في الذكر ، ولدلالته على أنّ كلّ خير منه تعالى ، ودفع كلّ شرّ إليه ، كان فيه غاية التأثير في تهييج حبّ العارفين ، وتحريك رجاء الرّاجين ، ولهذا السرّ كان ثناؤه تعالى في الأدعية بهذا الاسم المبارك أكثر من ثنائه بسائر الأسماء ، ومن عرفه بالرّبوبيّة وعرف نفسه بالمربوبيّة المطلقة من كلّ وجه واعتبار ، عرف ما يناسب شأنه من الذلّة والاستكانة ، وقام بوظائفه من الطاعة والعبادة.
ثمّ لمّا كان مجال توهّم القاصرين أن يكون تربيته للممكنات كتربية الأجرام الفلكيّة والمؤثّرات الكونيّة بغير إرادة واختيار وحكمة ولحاظ صلاح ، أشار بتوصيف ذاته المقدّسة بقوله : ﴿الرَّحْمنِ﴾ إلى أنّ تربيته العامّة بمبدأ صفة الرّحمانيّة. وبقوله : ﴿الرَّحِيمِ﴾ إلى أنّ تربيته الخاصّة للنفوس القابلة وتكميلها بمبدأ صفة الرّحيميّة ، ومن الواضح أنّ هاتين الصفتين ملازمتان للعلم والاختيار والارادة والحكمة.
وقيل : إنّ نكتة تكرار هذين الاسمين هي كمال مدخليّتهما في استحقاق الحمد ، أو شدّة الاهتمام ببسط رجاء العباد إلى رحمته.
وفي حديث معراج النبيّ صلىاللهعليهوآله في عالم الملكوت : « ثمّ قال له : احمدني. قال : ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ،﴾ فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : [ في نفسه ] شكرا ، فقال الله تعالى يا محمّد ، قطعت حمدي فسمّ باسمي ، فمن أجل ذلك جعل في الحمد ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ مرّتين » (١) .
أقول : لعلّ وجه كون الشكر قاطعا للحمد أنّ في الشكر التوجّه إلى النّعم ، وهو ملازم للتوجّه إلى النّفس ، وليس في الحمد إلّا التوجّه إلى مقام الالوهيّة والرّبوبيّة ، فلزم تكرار اسم الحقّ سبحانه ، وحصر التوجّه فيه ، وإفناء ملاحظة النّفس.
__________________
(١) الكافي ٣ : ٤٨٥ / ١.