الصّراط - الذي هو جسر جهنّم - في الآخرة ، ومن لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمه عن الصّراط في الآخرة فتردى في نار جهنّم » (١) .
وفي رواية أخرى : « نحن (٢) الصّراط المستقيم » (٣) .
وفي أخرى : « الصّراط المستقيم : هو أمير المؤمنين عليهالسلام ومعرفته » (٤) الخبر.
أقول : لعلّ وجه الجمع ، أنّ حقيقة الصّراط والطريق المؤدّي إلى رضوان الله هي الشريعة المقرّرة المركّبة من العقائد الحقّة ، والمعارف الإلهيّة ، والأعمال الصالحة ، والأخلاق المرضيّة ، والهداية إليها في هذا العالم لها أنحاء ، أظهرها وأجلاها بحسب العادة هو الهداية إليها بوسيلة هاد من جنس بني آدم وهو النبيّ والإمام ، بل الهداية إليهما هي الهداية إليها ، إذ لو كان للشّريعة المطهّرة صورة مجسّمة لكانت هي الانسان الكامل ، وهو الإمام والحجّة ، إذ هم المبيّنون بكلامهم وأخلاقهم وأعمالهم حقيقة الدّين والشرع المتين بهداية العبد إلى الدّين [ و] تعريفه إيّاهم ، فمن كان بهم أعرف كان إلى الصّراط أهدى ، فمعرفتهم عين معرفة الصّراط ، والمقتدي بهم مارّ عليه في الدنيا والآخرة ومنته إلى رضوان الله ، واصل إلى الجنّة ونعيم دار القرار ، والمتخلّف عنهم زال عن الصّراط ، وهاو في النّار ، ومن الواضح أنّ هذه الهداية من أظهر شؤون الرّبوبيّة ، وأجلى آثار صفة الرّحيميّة.
ثمّ اعلم أنّ الهداية الحقيقية إليهم لست بالاطّلاع على الأدلّة الدالّة على إمامتهم ووجوب اتّباعهم وطاعتهم ، بل تكون بالنّور الّذي يقذفه الله في القلب بحيث يؤثّر في ملازمتهم والاقتداء بهم وبتقوية القوّة العاقلة بحدّ يورث قطع التعلّقات الجسمانيّة ، وقمع الشّهوات النفسانيّة ، والاستغراق في ملاحظة أسرار الكمال ومطالعة أنوار الجلال.
روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « أنّ الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ثمّ رشّ عليهم من نوره ، فمن أصابه ذلك النّور فقد اهتدى ، ومن أخطأه فقد ضلّ » (٥) . والظاهر أنّ المراد من الظلمة ظلمة الجهل ، ومن النّور نور العلم والعقل.
ثمّ لا يذهب عليك أنّ في الآية دلالة ظاهرة على نفي الجبر والتفويض ، وإثبات الأمر بين الأمرين ،
__________________
(١) معاني الأخبار : ٣٢ / ١ ، تفسير الصافي ١ : ٧٢.
(٢) في النسخة : عن.
(٣) معاني الأخبار : ٣٥ / ٥ ، ينابيع المودة : ٤٧٧ ، تفسير الصافي ١ : ٧٣.
(٤) معاني الأخبار : ٣٢ / ٣.
(٥) تفسير روح البيان ١ : ٢٣.