أقول : الظاهر - بالنّظر إلى الرّوايات - أنّ شأن نزول الآية جماعة المنافقين الذين كانوا من أصحابه صلىاللهعليهوآله ولكنّها جارية على سائر المنافقين في سائر الأزمنة إلى يوم القيامة ، وفيها دلالة على أنّه لا ينبغي الوثوق بإيمان كلّ من كان داخلا في الصّحابة وعمله وقوله حسنا في الظاهر ، كما هو مبنى مذهب العامّة ، وفيها إشعار أيضا بأنّ أهمّ أركان الإيمان هو الإيمان بالمبدأ والمعاد.
ثمّ قرعهم الله بقوله : ﴿يُخادِعُونَ اللهَ﴾ بمعاملتهم مع رسوله معاملة المخادع ، ولكونه صلىاللهعليهوآله خليفة الله ومظهر صفاته وعينه الناظرة ويده الباسطة واذنه الواعية نزّل مخادعته منزلة مخادعة الله.
عن ابن بابويه : عن الصادق عليهالسلام عن أبيه « [ أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله ] سئل : فيما النّجاة غدا ؟ فقال : إنّما النّجاة في أن لا تخادعوا الله فيخدعكم ، فإنّه من يخادع الله يخدعه ويخلع منه الإيمان ، ونفسه يخدع لو يشعر. فقيل له : وكيف يخادع الله ؟ فقال : يعمل بما أمره الله عزوجل به ثم يريد به غيره ، فاتّقوا الله واجتنبوا الرياء فإنّه شرك بالله عزوجل ، إنّ المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء : يا كافر ، يا فاجر ، يا غادر ، يا خاسر » (١) الخبر.
وفيه دلالة على أنّ مخادعة الله لا تختصّ بالمنافق المعروف ، بل تعمّ كلّ من يظهر شأنا ومقاما من الدّين وهو ليس بواجد له ، وكلّ من يظهر حقّا لا يوافق ظاهره باطنه ﴿وَ﴾ يخادعون ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ لأنّ ضرر مخادعتهم راجع إلى أنفسهم لا إلى المؤمنين ﴿وَما يَشْعُرُونَ﴾ أنّهم بخديعتهم ونفاقهم يضرّون على أنفسهم ، بل يحسبون أنّهم يجلبون النّفع ، أو لا يشعرون أنّه لا يمكنهم الخديعة بالنّسبة إلى الله ورسوله صلىاللهعليهوآله والمؤمنين ، فإنّ الخدعة فعل ما هو مضرّ على الغير مع إخفاء ضرّه وإظهار صلاحه ، والله مطّلع على خفايا امورهم ، وكفر باطنهم ، وهو يطلع نبيّه والمؤمنين ، ويأمرهم بلعنهم ، فيكون الأمر بخلاف ما تخيّلوا ، حيث إنّ نفاقهم مضر عليهم مع خفاء ضرره عنهم ، وفي سلب الحواسّ الحيوانية عنهم دلالة على انحطاطهم عن مرتبة البهائم.
﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠)
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ
الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢)﴾
__________________
(١) أمالي الصدوق : ٦٧٧ / ٩٢١.