كما ينافقون أصحاب محمّد صلىاللهعليهوآله فلا ترتفع لهم عندهم منزلة ، ولا يحلّون عندهم بمحلّ الثقة » (١) هكذا مرويّ عن المعصوم.
ثمّ استدرك الله تعالى ، بقوله ﴿وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ﴾ أنّهم مفسدون ، للإيذان بأنّ تمحّضهم في الإفساد من المحسوسات ، لكن لا حسّ لهم حتّى يدركوه ، أو المراد أنّهم لا يشعرون بعدم انتفاعهم بالنفاق ، بل يتضرّرون به أشدّ الضّرر ، أو المراد أنّهم لا يشعرون أنّ صلاح أمرهم في العاجل والآجل في الإيمان والتّسليم والوفاء ببيعة أمير المؤمنين عليهالسلام.
قيل : في الآية إشعار بشرف المؤمنين ، حيث تولّى الله عنهم جواب المنافقين (٢) .
﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ
السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى
شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ
فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ
تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦)﴾
ثمّ أكّد الله بيان خصلتهم السّيئة بقوله : ﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمْ﴾ من طرف المؤمنين ، بطريق الأمر بالمعروف عقيب نهيهم عن المنكر ، إتماما للنّصح وإكمالا للإرشاد : ﴿آمِنُوا﴾ بالله واليوم الآخر ونبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله وما جاء به إيمانا حقيقيّا لا يشوبه شكّ ولا نفاق ﴿كَما آمَنَ النَّاسُ﴾ المخلصون من أصحاب الرّسول صلىاللهعليهوآله الذين لم يلبسوا إيمانهم بظلم ، كسلمان وأبي ذرّ والمقداد وأضرابهم ﴿قالُوا﴾ لأصحابهم المطّلعين على سرّهم ، الموافقين لهم في كفرهم ، إنكارا وتعجيبا : ﴿أَ نُؤْمِنُ﴾ بمحمّد صلىاللهعليهوآله ودينه ﴿كَما آمَنَ السُّفَهاءُ﴾ الذين هم لضعف عقولهم رفضوا دين آبائهم ، وأعرضوا عن أرحامهم وأقربائهم ، وتركوا جاههم وثروتهم ، ورضوا بالذّلّة والمسكنة لأنفسهم ، واتّبعوا هذا الرجل الضّعيف ، وعن قريب يتهاجم عليهم العرب ويقتلونهم عن آخرهم ، فينقطع خبرهم ، وينمحي أثرهم.
فردّ الله عليهم بقوله : ﴿أَلا﴾ تنبّهوا أيّها المؤمنون ﴿إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ﴾ القاصرون عن معرفة النبيّ صلىاللهعليهوآله بأنّه مؤيّد منصور ، وأنّ دينه يقوى ويدوم مرّ اللّيالي والدهور ، وأنّه نبيّ الرّحمة ، وأنّ الذين
__________________
(١و٢) تفسير روح البيان ١ : ٥٨.