الطرفة الأولى
في أنّ الكتاب العزيز
أعظم معجزات خاتم النبيّين صلىاللهعليهوآله
لا ريب في أنّ الكتاب العزيز كان من أعظم معجزات خاتم النبيّين صلىاللهعليهوآله حيث إنّه كانت جهة الإعجاز فيه أظهر من المعجزات الباهرة التي كانت لسائر الأنبياء العظام ، وتأثيره في النفوس أشدّ من تأثيرها ؛ لبداهة أنّ المؤمنين به صلىاللهعليهوآله من العرب مع عرافتهم بشدّة العصبيّة واللّجاج ، كانوا في زمانه أكثر من المؤمنين بسائر الأنبياء في زمانهم ، وكان إيمان أتباعه به ، وانقيادهم لأمره - مع كونهم أشدّ الخلق تكبّرا ، وأكثرهم تفاخرا - أقوى وأزيد من إيمان سائر الأمم بأنبيائهم ، وانقيادهم لأوامرهم.
وكان حبّ العرب له ، وشغفهم به - مع كونهم أقسى النّاس قلبا ، وأقلّهم رأفة - أشدّ وأكثر من حبّ بني إسرائيل لموسى بن عمران عليهالسلام مع كونه صاحب تسع آيات بيّنات ، ومن حبّ الحواريّين لعيسى بن مريم عليهالسلام مع كونه محيي الأموات ، ومبرئ الأكمه والأبرص.
حيث إنّ المؤمنين بنبيّنا صلىاللهعليهوآله كانوا يتسابقون إلى بذل المهج ، والغور في اللّجج ، ويتسارعون إلى معانقة السيوف ، وشرب الحتوف ، تحّفظا لسلامته ، وترويجا لشريعته ، وبنو إسرائيل كانوا أحفظ لأنفسهم من نفس موسى عليهالسلام حيث إنّه لمّا قال لهم ﴿يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ﴾(١)﴿قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ﴾(٢) و﴿إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ﴾(٣).
ولم ينقل عن (٤) حواريّي عيسى عليهالسلام فزع شديد حين رأوه على الصليب ، ونقل أنّه لمّا مات نبيّنا صلىاللهعليهوآله عزيزا في فراشه غشي على بعض المؤمنين من شدّة الحزن ، وجنّ آخر ، وصار يوم موته مثلا في شدّة البكاء والحزن ، ولم يكن جميع ذلك إلّا لكون إعجاز كتابه الكريم أشدّ تأثيرا في
__________________
(١) المائدة : ٥ / ٢١.
(٢) المائدة : ٥ / ٢٢.
(٣) المائدة : ٥ / ٢٤.
(٤) في النسخة : من.