الخبيث بالجسد المخلوق من الطّينة الخبيثة ، وحينئذ لا بدّ من تأثير كلّ منهما بعلاقة المجاورة في ازدياد خباثة الآخر ، فإذا كانا شريكين في التلذّذ بالمشتهيات والخباثة ودخيلين في ازديادها ، لا بدّ في حكم العقل من اشتراكهما في لوازم الخباثة والمعصية وهي العذاب في الآخرة ، وأن يعاد الجسد لا زدياد عذاب الروح.
[٣] ومنها : أنّه بعد ما عرفت أنّ الوعد بالثواب والعقاب من متمّمات حكمة التكاليف ، ومن الواجبات في النّظام الأتمّ ، لا بدّ من القول بوجوب الوعد بالثواب والعقاب الجسمانيّين ، لقصور فهم عموم النّاس عن درك الرّوحانيّين منهما ، فوجب على الله إعادة الجسم حتّى يمكن إنجاز الوعد ، أو يصحّ العفو.
﴿إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا
فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا
مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَما يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ
يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ
فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٢٧) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ
ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٨) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ
جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ (٢٩)﴾
ثمّ اعلم أنّه لمّا ضرب الله الأمثال العديدة للمنافقين في الآيات السّابقة ، تعرّض لدفع شبهات الكفّار في ضربه الأمثال في القرآن.
روي أنّه لمّا ذكر الله الذباب والعنكبوت في كتابه ، وضرب للمشركين المثل بهما ، ضحكت اليهود وقالوا : ما يشبه هذا كلام الله (١) ، وكأنّهم اعترضوا على الكتاب المجيد باشتماله على هذه الأمثال الّتي لا تليق بعظمة الرّبوبيّة لتوهّمهم أنّ هذه الحيوانات الدّنيّة الصغيرة لا تناسب أن يذكرها العظيم المتعال
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٨٥.