وفيه : أنّ التّدحية تسوية سطحها لا توسّعها.
والثاني : أنّ آية ﴿خَلَقَ لَكُمْ﴾ دالّة على أنّ خلق ما في الأرض قبل خلق السّماء ، وخلق ما في الأرض لا بدّ أن يتكوّن بعد التّدحية (١) .
وفيه : أنّ خلق ما فيها من الجبال والمعادن والأشجار وغيرها ، وإن كان لا يستلزم تسطيح وجه الأرض ، إلّا أنّ الانتفاع بها متوقّف عليه ، والله العالم.
إن قيل : مقتضى الآية أنّ السماوات سبع ، وأهل الرّصد قائلون بها تسعة.
قلنا : إن صحّ قول الرّصديّين ، يحمل السبع على ما سوى العرش والكرسيّ.
﴿وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ
يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما
لا تَعْلَمُونَ (٣٠) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي
بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣١) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ
أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر نعمة الحياة ونعمة خلق ما في الأرض ونعمة خلق السّماوات ، ذكر النعمة الرابعة وهي خلق آدم وتعظيمة إيّاه ، وتشريفه بالعلم على الملائكة ، وكلّها من النعم الجارية في ذريّته ، ويمكن أن يكون وجه النّظم أنّه لمّا ذكر الله تعالى في الآية السابقة علمه وإحاطته بكلّ شيء ، وكان في قضيّة خلق آدم شهادة على كمال علمه وإحاطته بحقائق الموجودات وحكمها قبل إيجادها ، شرع في بيانها بقوله : ﴿وَإِذْ قالَ رَبُّكَ﴾ وتذكّر حين أوحى ﴿لِلْمَلائِكَةِ﴾ جميعهم ، أو للّذين كانوا في الأرض بعد طرد بني الجانّ منها ﴿إِنِّي جاعِلٌ﴾ بالخلق أو النّصب ﴿فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ وبدلا منكم وممّن كان قبلكم فيها ، ورافعكم إلى السّماء ، هكذا قيل (٢) .
والأظهر أنّ المراد بالخليفة هو الحجّة على الخلق من الله ، إذ الجعل أظهر في النّصب من الخلق ، كما قال تعالى : ﴿إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً﴾(٣) وقال مخاطبا لداود عليهالسلام : ﴿إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي
__________________
(١) تفسير الرازي ٢ : ١٥٥.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ٩٣.
(٣) البقرة : ٢ / ١٢٤.