معصومون باتّفاق الأمّة وإجماع المسلمين ، محمول على ذلك للقرينة العقليّة القطعيّة.
مضافا إلى ما ورد من الرّوايات الكثيرة عن أئمّتنا صلوات الله عليهم في تأويل عصيان آدم ، وخطيئة داود ، وظهور قول ابراهيم عليهالسلام : ﴿هذا رَبِّي﴾(١) في الشّرك ، وقوله : ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا﴾(٢) في الكذب ، وقوله : ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى﴾(٣) في الشّكّ في المعاد ، وسؤال موسى عليهالسلام رؤيته تعالى في اعتقاده بالتجسّم ، وظهور قوله تعالى في حقّ يوسف : ﴿وَهَمَّ بِها﴾(٤) في قصده عليهالسلام الفاحشة ، وأمثال ذلك.
وأمّا ما في رواية ( العيون ) عن الرضا عليهالسلام من « أنّ الله تعالى قال لهما : ﴿لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ*﴾ إلى أن قال : « وكان ذلك من آدم قبل النبوّة ، ولم يكن ذلك بذنب كبير استحقّ به دخول النّار ، وإنّما كان من الصّغائر التي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي إليهم. فلمّا اجتباه الله تعالى وجعله نبيّا كان معصوما لا يذنب صغيرة ولا كبيرة ، قال الله تعالى : ﴿وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى * ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى﴾(٥) فمحمول على التقيّة لأنّه قول العامّة ، أو مطروح.
﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨)﴾
ثمّ أنّه تعالى لمّا أمرهم أوّلا بالهبوط اجمالا ، كرّر الأمر ثانيا به لبيان كيفيّته بقوله : ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً﴾ لا يتقدّم بعضكم بعضا أو لبيان تحتّم مقتضاه.
وقيل : إنّ الأمر الأوّل بالهبوط لبيان أنّ الغرض المعاداة والبليّة ، والأمر الثاني لبيان غرض التّكليف والامتحان ، ويؤيّده قوله : ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً﴾ وجاءكم من قبلي رشد وشريعة ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ﴾ وأقتدى بشريعتي ﴿فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ في الدنيا ممّا ينزل من البلايا والمحن بالتّوكل على الله والتفويض إليه وبذكر الله تطمئنّ قلوب المؤمنين ، وفي الآخرة من العذاب ، ببشارة الملائكة لهم : ﴿أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾(٦) .
﴿وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ في الدنيا على ما فاتهم من الفوائد الدنيويّة لحقارتها في نظرهم ، وفي الآخرة
__________________
(١) الأنعام : ٦ / ٧٧.
(٢) الأنبياء : ٢١ / ٦٣.
(٣) البقرة : ٢ / ٢٦٠.
(٤) يوسف : ١٢ / ٢٤.
(٥) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١٩٦ / ١ ، والآيتان من سورة طه : ٢٠ / ١٢١ و١٢٢.
(٦) فصلت : ٤٢ / ٣٠.