﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخاشِعِينَ (٤٥) الَّذِينَ يَظُنُّونَ
أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ (٤٦)﴾
ثمّ إنّ اليهود لمّا كانوا مبتلين بمرض حبّ الدنيا ، والغفلة عن الله والدّار الآخرة - ولذا كان تحمّل تكاليف الإسلام ، وترك الرئاسات ، والإعراض عن الجاه والمال شاقّا عليهم - بيّن الله دواء مرضهم بقوله : ﴿وَاسْتَعِينُوا﴾ على تحمّل مشاقّ التّكاليف ، ومخالفة الهوى ﴿بِالصَّبْرِ﴾ وكفّ النّفس عنها ، أو بالصّوم الذي هو كاسر للشّهوات ومصفّ للنّفس ﴿وَالصَّلاةِ﴾ التي هي ناهية عن الفحشاء ، ومعراج المؤمن ، فإنّها موجبة لتوجّه القلب إلى الله وعظمته وجلاله ، وحقوق نعمه وقهره ورحمته ، فتسهّل طاعته وترك معاصيه ، لأنّه كلّما أقبل القلب إلى الله تعالى والدّار الآخرة أعرض عن الدنيا ولذّاتها ، وكلّما استنار القلب بذكر الله خرج من ظلمات هوى النّفس وشهواتها ، وكلّما تفكّر في خروجه من الدنيا هانت عليه شدائدها ومصيباتها.
روي عن الصادق عليهالسلام : « ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غمّ من غموم الدنيا أن يتوضّأ ثمّ يدخل مسجده فيركع ركعتين فيدعو الله فيهما ؟ أما سمعت الله يقول : ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ..﴾(١) .
روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله إذا حزبه (٢) أمر فزع إلى الصّلاة (٣) .
وعن ابن عبّاس ، أنّه نعي له بنت وهو في سفر فاسترجع ، وقال : عورة سترها الله ، ومؤنة كفاها الله ، وأجر ساقه الله. ثمّ تنحّى عن الطّريق وصلّى ، ثمّ انصرف إلى راحلته وهو يقرأ : ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾(٤) .
﴿وَإِنَّها﴾ أي الاستعانة بهما ، أو أنّ الصّلاة ﴿لَكَبِيرَةٌ﴾ وثقيلة شاقّة على النّفوس ﴿إِلَّا عَلَى﴾ نفوس ﴿الْخاشِعِينَ﴾ الخائفين من عقاب الله وسطواته ، فإنّ خوف العقاب يهوّن على العبد مشقّة التّكاليف.
ثمّ وصف الخاشعين بأنّهم ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ﴾ ويعتقدون ﴿أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ﴾ محضرون في محضر عدله وحكومته ﴿وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ﴾ وإلى حكمه ﴿راجِعُونَ﴾ بعد الموت أو بعد الحشر ، لا يملك أمرهم غيره ، والتعبير بالرّجوع إليه مع أنّ الانسان لا يخرج في آن من الآنات عن حكم الله حتّى
__________________
(١) تفسير العياشي ١ : ١٣٣ / ١٤٣ ، مجمع البيان ١ : ٢١٧.
(٢) حزبه الأمر : نابه واشتدّ عليه.
(٣) تفسير روح البيان ١ : ١٢٤.
(٤) تفسير روح البيان ١ : ١٢٤.