يرجع إليه ، لأنّه كان قبل ولادته تحت سلطنة الله في الظاهر والواقع ، فلمّا تولّد دخل في تربية والديه وغيرهما ، وكان لهما ولغيرهما ولنفسه سلطنة عليه في الظاهر ، ثمّ يرجع بعد الموت إلى سلطنة الله وحكمه كما كان قبل ولادته.
وقيل : إنّ الظّنّ هنا بمعناه ، والمراد أنّهم يظنّون ملاقاة رحمة الله والرجوع إلى رضوانه حيث إنّ المؤمن لا يعلم الوصول إلى رحمة الله إلّا حين الموت ولا يزال خائفا من سوء العاقبة حتّى يأتيه اليقين.
﴿يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى
الْعالَمِينَ (٤٧) وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ
وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨)﴾
ثمّ كرّر الله تذكير النعم تأكيدا للحجّة وتحذيرا من ترك اتّباع النبيّ صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا﴾ واشكروا ﴿نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ قيل : هي النعمة التي أنعمها على أسلافهم من بعث موسى وهارون فيهم وهدايتهم إلى نبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله ووصاية عليّ عليهالسلام وإمامة عترته الطّيّبين صلوات الله عليهم فإنّها فوق النعم وأولى بالامتنان عليهم ، ثمّ بعدها ما أشار إليه بقوله : ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ﴾ بسبب تفضيل آبائكم الأقدمين ﴿عَلَى الْعالَمِينَ﴾ وجميع أهل زمانهم بقبول ولاية محمّد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين وبتظليلهم الغمام ، وإنزال المنّ والسّلوى ، وتخصيصهم بسائر النعم العظام (١) ، حيث إنّ الإنعام على الآباء وتشريفهم بالنعماء موجب للشكر على الأبناء وتشريفهم ، ثمّ قرّب الله تعالى الدّعوة بالوعيد.
وقيل : إنّ اليهود كانوا يقولون : نحن أولاد إبراهيم الخليل وإسحاق الذبيح ، وهما يشفّعوننا في القيامة عند الله ، فردّهم الله بقوله : ﴿وَاتَّقُوا﴾ يا بني إسرائيل واحترزوا ﴿يَوْماً﴾ فيه حشركم وحسابكم وجزاؤكم ، فإنّه يوم لا ﴿تَجْزِي﴾ ولا تكفي ﴿نَفْسٌ﴾ مؤمنة كانت أم كافرة ﴿عَنْ نَفْسٍ﴾ كافرة ﴿شَيْئاً﴾ يسيرا من الإجزاء كما قال الله : ﴿لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ﴾(٢) بل قال : ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ﴾(٣) الآية.
__________________
(١) تفسير الصافي ١ : ١١٢.
(٢) الممتحنة : ٦٠ / ٣.
(٣) عبس : ٨٠ / ٣٤.